فصل: تَفْرِيعَاتٌ: (تتعلق بسماع لفظ الشيخ والقراءة على الشيخ)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: ‏فتح المغيث شرح ألفية الحديث ***


أَقْسَامُ التَّحَمُّلِ وَالْأَخْذِ‏:‏

وَأَوَّلُهَا‏:‏ سَمَاعُ لَفْظِ الشَّيْخِ

364- أَعْلَى وُجُوهِ الْأَخْذِ عِنْدَ الْمُعْظَمِ *** وَهْيَ ثَمَانٍ لَفْظُ شَيْخٍ فَاعْلَمِ

365- كِتَابًا أَوْ حِفْظًا وَقُلْ حَدَّثَنَا *** سَمِعْتُ أَوْ أَخْبَرَنَا أَنْبَأَنَا

366- وَقَدَّمَ الْخَطِيبُ أَنْ يَقُولَا *** سَمِعْتُ إِذْ لَا يَقْبَلُ التَّأْوِيلَا

367- وَبَعْدَهَا حَدَّثَنَا حَدَّثَنِي *** وَبَعْدَ ذَا أَخْبَرَنَا أَخْبَرَنِي

368- وَهْوَ كَثِيرٌ وَيَزِيدُ اسْتَعْمَلَهْ *** وَغَيْرُ وَاحِدٍ لِمَا قَدْ حَمَلَهْ

369- مِنْ لَفْظِ شَيْخِهِ وَبَعْدَهُ تَلَا *** أَنْبَأَنَا نَبَّأَنَا وَقُلِّلَا

370- وَقَوْلُهُ قَالَ لَنَا وَنَحْوَهَا *** كَقَوْلِهِ حَدَّثَنَا لَكِنَّهَا

371- الْغَالِبُ اسْتِعْمَالُهَا مُذَاكَرَهْ *** وَدُونَهَا قَالَ بِلَا مُجَارَرَهْ

372- وَهْيَ عَلَى السَّمَاعِ إِنْ يُدْرَ اللُّقِي *** لَا سِيَّمَا مَنْ عَرَفُوهُ فِي الْمُضِي

373- أَنْ لَا يَقُولَ ذَا لِغَيْرِ مَا سَمِعْ *** مِنْهُ كَحَجَّاجٍ وَلَكِنْ يَمْتَنِعْ

374- عُمُومُهُ عِنْدَ الْخَطِيبِ وَقَصَرْ *** ذَاكَ عَلَى الَّذِي بِذَا الْوَصْفِ اشْتَهَرْ

‏(‏وَأَوَّلُهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ أَعْلَاهَا رُتْبَةً ‏(‏سَمَاعُ لَفْظِ الشَّيْخِ أَعْلَى وُجُوهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ طُرُقِ ‏(‏الْأَخْذِ‏)‏ لِلْحَدِيثِ وَتَحَمُّلِهِ عَنِ الشُّيُوخِ ‏(‏عِنْدَ الْمُعْظَمِ‏)‏ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ وَغَيْرِهِمْ ‏(‏وَهْيَ‏)‏ أَيِ‏:‏ الطُّرُقُ ‏(‏ثَمَانٍ‏)‏، وَلَهَا أَنْوَاعٌ مُتَّفَقٌ عَلَى بَعْضِهَا دُونَ بَعْضٍ‏.‏

‏(‏لَفْظُ شَيْخٍ‏)‏ أَيِ‏:‏ السَّمَاعُ مِنْهُ ‏(‏فَاعْلَمِ‏)‏ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَ النَّاسَ ابْتِدَاءً وَأَسْمَعَهُمْ مَا جَاءَ بِهِ، وَالتَّقْرِيرُ عَلَى مَا جَرَى بِحَضْرَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوِ السُّؤَالُ عَنْهُ مَرْتَبَةٌ ثَانِيَةٌ، فَالْأُولَى أَوْلَى، وَفِيهِ أَقْوَالٌ أُخَرُ تَأْتِي حِكَايَتُهَا فِي الْقِرَاءَةِ عَلَى الشَّيْخِ‏.‏

وَلَكِنَّ هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، سَوَاءٌ حَدَّثَ ‏(‏كِتَابًا‏)‏ أَيْ‏:‏ مِنْ كِتَابِهِ ‏(‏أَوْ حِفْظًا‏)‏ أَيْ‏:‏ مِنْ حِفْظِهِ، إِمْلَاءً أَوْ غَيْرَ إِمْلَاءٍ فِي صُورَتَيِ الْحِفْظِ وَالْكِتَابِ، لَكِنَّهُ فِي الْإِمْلَاءِ أَعْلَى؛ لِمَا يَلْزَمُ مِنْهُ مِنْ تَحَرُّزِ الشَّيْخِ وَالطَّالِبِ، إِذِ الشَّيْخُ مُشْتَغِلٌ بِالتَّحْدِيثِ، وَالطَّالِبُ بِالْكِتَابَةِ عَنْهُ، فَهُمَا لِذَلِكَ أَبْعَدُ عَنِ الْغَفْلَةِ، وَأَقْرَبُ إِلَى التَّحْقِيقِ وَتَبْيِينِ الْأَلْفَاظِ مَعَ جَرَيَانِ الْعَادَةِ بِالْمُقَابَلَةِ بَعْدَهُ، وَإِنْ حَصَلَ اشْتِرَاكُهُ مَعَ غَيْرِهِ مِنْ أَنْوَاعِ التَّحْدِيثِ فِي أَصْلِ الْعُلُوِّ‏.‏

وَمَا تَقَرَّرَ فِي أَرْجَحِيَّةِ هَذَا الْقِسْمِ هُوَ الْأَصْلُ، وَإِلَا فَقَدْ يَعْرِضُ لِلْفَائِقِ مَا يَجْعَلُهُ مَفُوقًا، كَأَنْ يَكُونَ الْمُحَدِّثُ لَفْظًا غَيْرَ مَاهِرٍ، إِمَّا مُطْلَقًا أَوْ بِالنِّسْبَةِ لِبَعْضِ الْقُرَّاءِ، ‏[‏وَمَا اتَّفَقَ مِنْ تَحْدِيثِ أَبِي عَلِيٍّ الْحَسَنِ بْنِ عُمَرَ الْكُرْدِيِّ أَحَدِ الْمُسْنَدِينِ بِتَلْقِينِ‏]‏ الْإِمَامِ التَّقِيِّ السُّبْكِيِّ بِالْجُزْءِ الْأَوَّلِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ سِمَاكٍ كَلِمَةً كَلِمَةً؛ لِكَوْنِهِ كَانَ ثَقِيلَ السَّمْعِ جِدًّا، قَصْدًا لِتَحْقِيقِ سَمَاعِهِ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَوِ اقْتَصَرَ عَلَى الْقِرَاءَةِ بِالصَّوْتِ الْمُرْتَفِعِ لَمْ يَزُلِ الشَّكُّ‏.‏

وَإِنْ كَانَ شَيْخُنَا قَدْ وَقَعَ لَهُ مَعَ ابْنِ قَوَّامٍ فِي أَخْذِ الْمُوَطَّأِ رِوَايَةُ أَبِي مُصْعَبٍ؛ لِكَوْنِهِ أَيْضًا كَانَ ثَقِيلَ السَّمْعِ جِدًّا، أَنَّهُ هُوَ وَأَصْحَابُهُ كَانُوا يَتَنَاوَبُونَ الْقِرَاءَةَ عَلَيْهِ كَلِمَةً كَلِمَةً بِصَوْتٍ مُرْتَفِعٍ كَالْأَذَانِ حَتَّى زَالَ الشَّكُّ، مَعَ قَرَائِنَ؛ كَصَلَاةِ الْمُسَمِّعِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَرَضِّيهِ عَنْ أَصْحَابِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَمَا وَقَعَ لِلسُّبْكِيِّ أَضْبَطُ، بَلْ مَا وَقَعَ لَهُ أَيْضًا أَعْلَى مِنَ الْعَرْضِ فَقَطْ بِلَا شَكٍّ‏.‏

وَأَمَّا تَلْقِينُ الْحَجَّارِ قِرَاءَةَ سُورَةِ الصَّفِّ قَصْدًا لِاتِّصَالِ تَسَلْسُلِهَا؛ لِكَوْنِهِ لَمْ يَكُنْ يَحْفَظُهَا، فَأَعْلَى مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ؛ لِعَدَمِ الْخَلَلِ فِي سَمَاعِهِ ‏(‏وَقُلْ‏)‏ فِي حَالَةِ الْأَدَاءِ لِمَا سَمِعْتَهُ مِنْ لَفْظِ الشَّيْخِ‏:‏ ‏(‏حَدَّثَنَا‏)‏ فُلَانٌ، أَوْ ‏(‏سَمِعْتُ‏)‏ فُلَانًا ‏(‏أَوْ أَخْبَرَنَا‏)‏، أَوْ خَبَّرَنَا، أَوْ ‏(‏أَنْبَأَنَا‏)‏، أَوْ نَبَّأَنَا فُلَانٌ، أَوْ قَالَ لَنَا، أَوْ ذَكَرَ لَنَا فُلَانٌ، عَلَى وَجْهِ الْجَوَازِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ اتِّفَاقًا حَسْبَمَا حَكَاهُ عِيَاضٌ؛ يَعْنِي‏:‏ لُغَةً، كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْخَطِيبُ حَيْثُ قَالَ‏:‏ كُلُّ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ عِنْدَ عُلَمَاءِ اللِّسَانِ عِبَارَةٌ عَنِ التَّحْدِيثِ، وَإِلَّا فَالْخِلَافُ مَوْجُودٌ فِيهَا اصْطِلَاحًا كَمَا سَيَأْتِي‏.‏

وَمِنْ أَصْرَحِ الْأَدِلَّةِ لِذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى‏:‏ يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا ‏[‏الزَّلْزَلَةِ‏:‏ 4‏]‏ وَلَا يُنْبِئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ‏[‏فَاطِرٍ‏:‏ 14‏]‏، قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ‏:‏ وَيَنْبَغِي- أَيْ‏:‏ نَدْبًا- أَنْ لَا يُطْلَقَ مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ مَا شَاعَ اسْتِعْمَالُهُ فِي غَيْرِ السَّمَاعِ لَفْظًا؛ لِمَا فِيهِ مِنَ الْإِيهَامِ وَالْإِلْبَاسِ؛ يَعْنِي‏:‏ حَيْثُ حَصَلَتِ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ الصِّيَغِ بِحَسَبِ افْتِرَاقِ التَّحَمُّلِ‏.‏ وَخُصَّ مَا يَلْفِظُ بِهِ الشَّيْخُ بِالتَّحْدِيثِ، وَمَا سُمِعَ فِي الْعَرْضِ بِالْإِخْبَارِ، وَمَا كَانَ إِجَازَةً مُشَافَهَةً بِالْإِنْبَاءِ، بَلْ عَدَمُ الْإِطْلَاقِ كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ الشَّارِحُ مِمَّا يَتَأَكَّدُ فِي أَنْبَأَنَا بِخُصُوصِهَا بَعْدَ اشْتِهَارِ اسْتِعْمَالِهَا فِي الْإِجَازَةِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى إِسْقَاطِ الْمَرْوِيِّ مِمَّنْ لَا يَحْتَجُّ بِهَا‏.‏

وَعَلَى كُلِّ حَالٍ، فَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ مُتَفَاوِتَةٌ، وَقَدْ ‏(‏قَدَّمَ‏)‏ الْحَافِظُ ‏(‏الْخَطِيبُ‏)‏ مِنْهَا ‏(‏أَنْ يَقُولَا‏)‏ أَيِ‏:‏ الرَّاوِي‏:‏ ‏(‏سَمِعْتُ إِذْ‏)‏ لَفْظُهَا صَرِيحٌ ‏(‏لَا يَقْبَلُ‏)‏، كَمَا سَيَأْتِي، ‏(‏التَّأْوِيلَا وَبَعْدَهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ بَعْدَ سَمِعْتُ فِي الرُّتْبَةِ ‏(‏حَدَّثَنَا‏)‏ لِأَنَّ سَمِعْتُ، كَمَا قَالَ الْخَطِيبُ‏:‏ ‏"‏ لَا يَكَادُ أَحَدٌ يَقُولُهَا فِي الْإِجَازَةِ وَالْمُكَاتَبَةِ، وَلَا فِي تَدْلِيسٍ، مَا لَمْ يَسْمَعْهُ، بِخِلَافِ حَدَّثَنَا؛ فَقَدِ اسْتَعْمَلَهَا فِي الْإِجَازَةِ فِطْرٌ وَغَيْرُهُ، كَمَا سَبَقَ فِي التَّدْلِيسِ‏.‏

وَرُوِيَ أَنَّ الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ كَانَ يَقُولُ‏:‏ ثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، وَيَتَأَوَّلُ حَدَّثَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَالْحَسَنُ بِهَا، كَمَا كَانَ يَقُولُ‏:‏ خَطَبَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ بِالْبَصْرَةِ، وَيُرِيدُ خَطَبَ أَهْلَ الْبَصْرَةِ، وَكَمَا كَانَ ثَابِتٌ يَقُولُ‏:‏ قَدِمَ عَلَيْنَا عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ، وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِنِسْبَةِ الْحَسَنِ لِذَلِكَ الْبَزَّارُ؛ حَيْثُ قَالَ‏:‏ إِنَّ الْحَسَنَ رَوَى عَمَّنْ لَمْ يُدْرِكْهُ، وَكَانَ يَتَأَوَّلُ فَيَقُولُ‏:‏ ثَنَا وَخَطَبَنَا؛ يَعْنِي قَوْمَهُ الَّذِينَ حُدِّثُوا وَخُطِبُوا بِالْبَصْرَةِ‏.‏

وَيَتَأَيَّدُ بِتَصْرِيحِ أَيُّوبَ وَبَهْزِ بْنِ أَسَدٍ وَيُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ وَأَحْمَدَ وَأَبِي زُرْعَةَ وَأَبِي حَاتِمٍ وَابْنِ الْمَدِينِيِّ وَالتِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِشِيِّ وَالْبَزَّارِ وَالْخَطِيبِ وَغَيْرِهِمْ، بِأَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، بَلْ قَالَ يُونُسُ‏:‏ إِنَّهُ مَا رَآهُ قَطُّ، لَكِنْ يَخْدِشُ فِي دَعْوَى كَوْنِهِ صَرَّحَ بِالتَّحْدِيثِ أَنَّهُ قِيلَ لِأَبِي زُرْعَةَ‏:‏ فَمَنْ قَالَ عَنْهُ‏:‏ ثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ‏:‏ يُخْطِئُ، وَنَحْوُهُ قَوْلُ أَبِي حَاتِمٍ، وَقِيلَ لَهُ‏:‏ إِنَّ رَبِيعَةَ بْنَ كُلْثُومٍ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ‏:‏ ثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ‏:‏ لَمْ يَعْمَلْ رَبِيعَةُ شَيْئًا، لِمَ يَسْمَعِ الْحَسَنُ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ شَيْئًا‏.‏

وَقَوْلُ سَالِمٍ الْخَيَّاطِ فِي رِوَايَتِهِ عَنِ الْحَسَنِ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، مِمَّا يُبَيِّنُ ضَعْفَ سَالِمٍ؛ فَإِنَّ حَاصِلَ هَذَا كُلِّهِ أَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ عَنِ الْحَسَنِ التَّصْرِيحُ بِالتَّحْدِيثِ، وَذَلِكَ مَحْمُولٌ مِنْ رَاوِيهِ عَلَى الْخَطَأِ أَوْ غَيْرِهِ‏.‏

لَكِنْ قَالَ شَيْخُنَا‏:‏ إِنَّهُ وَقَعَ فِي سُنَنٍ النَّسَائِيِّ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنَ سَلَمَةَ عَنْ وُهَيْبٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الْمُخْتَلِعَاتِ، قَوْلُ الْحَسَنِ‏:‏ لَمْ أَسْمَعْ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ غَيْرَهُ، قَالَ شَيْخُنَا‏:‏ وَهَذَا إِسْنَادٌ لَا مَطْعَنَ فِي أَحَدٍ مِنْ رُوَاتِهِ، وَهُوَ يُؤَيِّدُ أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الْجُمْلَةِ، كَذَا قَالَ‏.‏

وَالَّذِي رَأَيْتُهُ فِي السُّنَنِ الصُّغْرَى لِلنَّسَائِيِّ بِخَطِّ الْمُنْذِرِيِّ بِلَفْظِ‏:‏ قَالَ الْحَسَنُ‏:‏ لَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ غَيْرِ أَبِي هُرَيْرَةَ‏.‏ وَكَذَا هُوَ فِي الْكُبْرَى بِزِيَادَةِ‏:‏ أَحَدٍ، زَادَ فِي الصُّغْرَى‏:‏ قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، يَعْنِي النَّسَّائِيَّ الْمُصَنِّفَ‏:‏ الْحَسَنُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ شَيْئًا، وَكَأَنَّهُ جَوَّزَ التَّدْلِيسَ فِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ أَيْضًا ‏[‏بِإِرَادَةِ لَمْ أَسْمَعْهُ‏]‏ مِنْ غَيْرِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ‏.‏

عَلَى أَنَّ ابْنَ دَقِيقِ الْعِيدِ قَالَ فِي التَّأْوِيلِ‏:‏ الْأَوَّلُ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ قَاطِعٌ عَلَى أَنَّ الْحَسَنَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُصَارَ إِلَيْهِ- انْتَهَى‏.‏

وَلَكِنَّ الَّذِي عَلَيْهِ الْعَمَلُ عَدَمُ سَمَاعِهِ، وَالْقَوْلُ بِمُقَابِلِهِ ضَعَّفَهُ النُّقَّادُ‏.‏ وَكَذَا مِمَّا يَشْهَدُ لِكَوْنِهَا غَيْرَ صَرِيحَةٍ فِي السَّمَاعِ مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ فِي حَدِيثِ‏:‏ الَّذِي يَقْتُلُهُ الدَّجَّالُ، فَيَقُولُ‏:‏ «أَنْتَ الدَّجَّالُ الَّذِي حَدَّثَنَا بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» إِذْ مِنَ الْمَعْلُومِ تَأَخُّرُ ذَلِكَ الرَّجُلِ، فَيَكُونُ حِينَئِذٍ مُرَادُهُ‏:‏ حَدَّثَ الْأُمَّةَ وَهُوَ مِنْهُمْ‏.‏

وَلَكِنْ قَدْ خَدَشَ فِي هَذَا أَيْضًا بِأَنَّهُ قَدْ قِيلَ‏:‏ إِنَّ ذَاكَ الرَّجُلَ هُوَ الْخَضِرُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، يَعْنِي عَلَى الْقَوْلِ بِبَقَائِهِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا مَانِعَ مِنْ سَمَاعِهِ‏.‏

وَبِالْجُمْلَةِ، فَالِاحْتِمَالُ فِيهَا ظَاهِرٌ‏.‏ وَكَذَا بَعْدَ ‏(‏سَمِعْتُ‏)‏ ‏(‏حَدَّثَنِي‏)‏، وَهِيَ إِنْ لَمْ يَطْرُقْهَا الِاحْتِمَالُ الْمُشَارُ إِلَيْهِ لَا تُوَازِي سَمِعْتُ؛ لِكَوْنِ حَدَّثَنِي- كَمَا قَالَ شَيْخُنَا- قَدْ تُطْلَقُ فِي الْإِجَازَةِ، بَلْ سَمِعْنَا بِالْجَمْعِ لَا تُوَازِي الْمُفْرَدَ مِنْهُ؛ لِطُرُوقِ الِاحْتِمَالِ أَيْضًا فِيهِ‏.‏

‏(‏وَبَعْدَ ذَا‏)‏ أَيْ‏:‏ حَدَّثَنِي وَثَنَا ‏(‏أَخْبَرَنَا‏)‏، أَوْ ‏(‏أَخْبَرَنِي‏)‏، إِلَّا أَنَّ الْإِفْرَادَ أَبْعَدُ عَنْ تَطَرُّقِ الِاحْتِمَالِ‏.‏

وَعَنْ بَعْضِهِمْ- كَمَا حَكَاهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْمَسَالِكِ- قَالَ‏:‏ ‏"‏ ثَنَا ‏"‏ أَبْلَغُ مِنْ ‏"‏ أَنَا ‏"‏؛ لِأَنَّ ثَنَا قَدْ تَكُونُ صِفَةً لِلْمَوْصُوفِ، وَالْمُخَبِرُ مَنْ لَهُ الْخَبَرُ، وَكَأَنَّهُ أَشَارَ لِمَا سَيَأْتِي عِنْدَ حِكَايَةِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا مِنَ الْقِسْمِ بَعْدَهُ‏.‏

وَسُئِلَ أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ ثَنَا وَأَنَا وَأَنْبَأَنَا، فَقَالَ‏:‏ ‏"‏ ثَنَا ‏"‏ أَحْسَنُ شَيْءٍ فِي هَذَا، وَ ‏"‏ أَنَا ‏"‏ دُونَ ‏"‏ ثَنَا ‏"‏، وَ ‏"‏ أَنْبَأَنَا ‏"‏ مِثْلُ ‏"‏ أَنَا ‏"‏‏.‏ ‏(‏وَهْوَ‏)‏ أَيِ‏:‏ الْأَدَاءُ ‏"‏ بِأَنَا ‏"‏ جَمْعًا وَإِفْرَادًا فِي السَّمَاعِ مِنْ لَفْظِ الشَّيْخِ ‏(‏كَثِيرٌ‏)‏ فِي الِاسْتِعْمَالِ ‏(‏وَيَزِيدُ‏)‏ بْنُ هَارُونَ ‏(‏اسْتَعْمَلَهُ‏)‏ هُوَ ‏(‏وَغَيْرُ وَاحِدٍ‏)‏، مِنْهُمْ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ وَهُشَيْمٌ وَخَلْقٌ، مِنْهُمُ ابْنُ مَنْدَهْ ‏(‏لِمَا قَدْ حَمَلَهْ‏)‏ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ ‏(‏مِنْ لَفْظِ شَيْخِهِ‏)‏، كَأَنَّهُمْ كَانُوا يَرَوْنَ ذَلِكَ أَوْسَعَ‏.‏ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الْخَطِيبِ‏:‏ ‏"‏ وَإِنَّمَا اسْتَعْمَلَ مَنِ اسْتَعْمَلَ ‏"‏ أَنَا ‏"‏ وَرَعًا وَنَزَاهَةً لِأَمَانَتِهِمْ، فَلَمْ يَجْعَلُوهَا لِلِينِهَا بِمَنْزِلَةِ ثَنَا‏.‏

وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ أَحْمَدُ، فَقَالَ‏:‏ ‏"‏ أَنَا ‏"‏ أَسْهَلُ مِنْ ‏"‏ ثَنَا ‏"‏، وَ ‏"‏ ثَنَا ‏"‏ شَدِيدٌ‏.‏ قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ‏:‏ وَكَأَنَّ هَذَا كُلَّهُ قَبْلَ أَنْ يَشِيعَ تَخْصِيصُ ‏"‏ أَنَا ‏"‏ بِالْعَرْضِ‏.‏ لَكِنْ قَدْ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ‏:‏ إِنَّ عَبْدَ الرَّزَّاقِ كَانَ يَقُولُ‏:‏ أَنَا، حَتَّى قَدِمَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ فَقَالَا لَهُ‏:‏ قُلْ‏:‏ ثَنَا‏.‏ قَالَ ابْنُ رَافِعٍ‏:‏ فَمَا سَمِعْتُهُ مَعَهُمَا كَانَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ يَقُولُ فِيهِ‏:‏ ثَنَا، وَأَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ فَكَانَ يَقُولُ‏:‏ أَنَا‏.‏ بَلْ حَكَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ أَنَّ أَبَاهُ قَالَ‏:‏ فَكَانَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ كَثِيرًا مَا يَقُولُ‏:‏ ثَنَا؛ لِعِلْمِهِ أَنَّا نُحِبُّ ذَلِكَ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى عَادَتِهِ‏.‏

وَكَأَنَّ أَحْمَدَ أَرَادَ اللَّفْظَ الْأَعْلَى، وَلَا يُنَافِيهِ مَا تَقَدَّمَ عَنْهُ‏.‏ ‏(‏وَبَعْدَهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ بَعْدَ لَفْظِ أَنَا وَأَخْبَرَنِي ‏(‏تَلَا أَنْبَأَنَا‏)‏ أَوْ ‏(‏نَبَّأَنَا‏)‏ بِالتَّشْدِيدِ، ‏[‏فَهُوَ تِلْوُهُ فِي الْمَرْتَبَةِ‏]‏ ‏(‏وَقُلِّلَا‏)‏ اسْتِعْمَالُهُ فِيمَا يُسْمَعُ مِنْ لَفْظِ الشَّيْخِ؛ أَيْ‏:‏ قَبْلَ اشْتِهَارِ اسْتِعْمَالِهَا فِي الْإِجَازَةِ‏.‏

ثُمَّ إِنَّ مَا تَقَدَّمَ فِي تَرْجِيحِ سَمِعْتُ مِنْ تِلْكَ الْحَيْثِيَّةِ ظَاهِرٌ، لَكِنْ لِحَدَّثَنَا وَأَنَا أَيْضًا جِهَةُ تَرْجِيحٍ عَلَيْهَا، وَهِيَ مَا فِيهَا مِنَ الدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ الشَّيْخَ رَوَاهُ الْحَدِيثَ وَخَاطَبَهُ بِهِ فِيهِمَا‏.‏

وَقَدْ سَأَلَ الْخَطِيبُ شَيْخَهُ الْبَرْقَانِيَّ عَنِ النُّكْتَةِ فِي عُدُولِهِ عَنْ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا إِلَى سَمِعْتُ حِينَ التَّحْدِيثِ عَنْ أَبِي الْقَاسِمِ الْآبَنْدُونِيِّ، فَقَالَ‏:‏ لِأَنَّ أَبَا الْقَاسِمِ كَانَ مَعَ ثِقَتِهِ وَصَلَاحِهِ عَسِرًا فِي الرِّوَايَةِ، فَكُنْتُ أَجْلِسُ حَيْثُ لَا يَرَانِي وَلَا يَعْلَمُ بِحُضُورِي، فَلِهَذَا أَقُولُ‏:‏ سَمِعْتُ؛ لِأَنَّ قَصْدَهُ فِي الرِّوَايَةِ إِنَّمَا كَانَ لِشَخْصٍ مُعَيَّنٍ، أَشَارَ إِلَيْهِ ابْنُ الصَّلَاحِ، وَمِنْهُ قَوْلُ أَبِي دَاوُدَ صَاحِبِ السُّنَنِ‏:‏ قُرِئَ عَلَى الْحَارِثِ بْنِ مِسْكِينٍ وَأَنَا شَاهِدٌ‏.‏ وَنَحْوُهُ حَذَفَ النَّسَائِيُّ الصِّيغَةَ، حَيْثُ يَرْوِي عَنِ الْحَارِثِ أَيْضًا، بَلْ يَقْتَصِرُ عَلَى قَوْلِهِ‏:‏ الْحَارِثُ بْنُ مِسْكِينٍ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ؛ لِأَنَّ الْحَارِثَ كَانَ يَتَوَلَّى قَضَاءَ مِصْرَ، وَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّسَائِيِّ خُشُونَةٌ، فَلَمْ يُمْكِنْهُ حُضُورُ مَجْلِسِهِ، فَكَانَ يَتَسَتَّرُ فِي مَوْضِعٍ وَيَسْمَعُ حَيْثُ لَا يَرَاهُ، فَلِذَلِكَ تَوَرَّعَ وَتَحَرَّى‏.‏

وَهَذَا ظَاهِرٌ فِيمَنْ قَصَدَ إِفْرَادَ شَخْصٍ بِعَيْنِهِ، أَوْ جَمَاعَةٍ مُعَيَّنِينَ، كَمَا وَقَعَ لِلَّذِي أَمَرَ بِدَقِّ الْهَاوِنِ حَتَّى لَا يَسْمَعَ حَدِيثَهُ مَنْ قَعَدَ عَلَى بَابِ دَارِهِ، وَلِذَا نُقِلَ عَنْ مُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ ‏"‏ سَمِعْتُ ‏"‏ أَسْهَلُ عَلَيَّ مِنْ ‏"‏ حَدَّثَنَا وَأَنَا وَحَدَّثَنِي وَأَخْبَرَنِي ‏"‏؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ قَدْ يَسْمَعُ وَلَا يُحَدَّثُ‏.‏ وَقَدْ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ‏:‏ حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ حَدَّثَنِي عُقْبَةُ بْنُ الْحَارِثِ، ثُمَّ قَالَ‏:‏ لَمْ يُحَدِّثْنِي، وَلَكِنِّي سَمِعْتُهُ يَقُولُ‏:‏ تَزَوَّجْتُ ابْنَةَ أَبِي إِهَابٍ، فَجَاءَتِ امْرَأَةٌ سَوْدَاءُ فَقَالَتْ‏:‏ قَدْ أَرْضَعْتُكُمَا‏.‏‏.‏‏.‏ الْحَدِيثَ، وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ‏:‏ قُلْتُ لِمُوسَى بْنِ عَلِيٍّ بِمَكَّةَ‏:‏ حَدَّثَكَ أَبُوكَ‏؟‏ قَالَ‏:‏ حَدَّثَ الْقَوْمَ وَأَنَا فِيهِمْ، فَأَنَا أَقُولُ سَمِعْتُ‏.‏ وَكُلُّ هَذَا يُوَافِقُ صَنِيعَ الْبَرْقَانِيِّ، وَكَذَا حَكَى أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ نَجِيحِ بْنِ الْمَدِينِيِّ‏:‏ إِنَّهُ بَيْنَمَا هُوَ مَعَ أَبِيهِ عِنْدَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي عِيَادَتِهِ، وَكَانَ مَرِيضًا، وَعِنْدَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَغَيْرُهُ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ، إِذْ دَخَلَ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَامٍ، فَالْتَمَسَ مِنْهُ يَحْيَى أَنْ يَقْرَأَ عَلَيْهِمْ كِتَابَ الْغَرِيبِ لَهُ، وَأَحْضَرَ الْكِتَابَ، وَأَخَذَ يَقْرَأُ الْأَسَانِيدَ وَيَدَعُ التَّفْسِيرَ، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ‏:‏ يَا أَبَا عُبَيْدٍ، دَعْنَا مِنَ الْأَسَانِيدِ، نَحْنُ أَحْذَقُ بِهَا مِنْكَ، فَفَعَلَ، فَقَالَ يَحْيَى لِعَلِيٍّ‏:‏ دَعْهُ يَقْرَأْهُ عَلَى وَجْهِهِ، فَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ‏:‏ مَا قَرَأْتُهُ إِلَّا عَلَى الْمَأْمُونِ، فَإِنْ أَحْبَبْتُمْ قِرَاءَتَهُ فَاقْرَءُوهُ، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ‏:‏ إِنْ قَرَأْتَهُ عَلَيْنَا وَإِلَّا فَلَا حَاجَةَ لَنَا فِيهِ‏.‏ وَلَمْ يَكُنْ أَبُو عُبَيْدٍ يَعْرِفُ عَلِيًّا، فَسَأَلَ يَحْيَى عَنْهُ، فَقَالَ لَهُ‏:‏ هَذَا عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ، قَالَ‏:‏ فَالْتَزَمَهُ وَقَرَأَ حِينَئِذٍ‏.‏

قَالَ‏:‏ فَمَنْ حَضَرَ ذَلِكَ الْمَجْلِسَ فَلَا يَقُولُ‏:‏ ثَنَا أَوْ نَحْوَهَا، يَعْنِي لِكَوْنِ عَلِيٍّ هُوَ الْمَخْصُوصُ بِالتَّحْدِيثِ‏.‏ وَكَانَ أَبِي، يَعْنِي عَلِيًّا، يَقُولُ‏:‏ ثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ‏.‏

وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ‏:‏ سَمَّعَنِي بِالتَّشْدِيدِ حَصَلَ التَّسَاوِي مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ، وَثَبَتَ لِلسَّمَاعِ التَّفْصِيلُ مُطْلَقًا، وَأَمَّا لَوْ قَالَ‏:‏ حَدَّثَ أَوْ أَخْبَرَ فَلَا يَكُونُ مِثْلَ سَمِعْتُ فِي ذَلِكَ، عَلَى أَنَّا نَقُولُ‏:‏ الْحَيْثِيَّةُ الْمُشَارُ إِلَيْهَا فِي ثَنَا ‏[‏وَأَنَا لَا تُقَاوِمُ مَا فِيهِمَا مِنَ الْخَدْشِ‏]‏ فِي الِاتِّصَالِ، مِمَّا لِأَجْلِهِ كَانَتْ سَمِعْتُ أَرْجَحَ مِنْهُمَا‏.‏

‏(‏وَقَوْلُهُ‏)‏ أَيِ‏:‏ الرَّاوِي ‏(‏قَالَ لَنَا وَنَحْوَهَا‏)‏ مِثْلُ‏:‏ قَالَ لِي، أَوْ ذَكَرَ لَنَا، أَوْ ذَكَرَ لِي ‏(‏كَقَوْلِهِ حَدَّثَنَا‏)‏ فُلَانٌ فِي الْحُكْمِ لَهَا بِالِاتِّصَالِ، حَسْبَمَا عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ مَعَ الْإِحَاطَةِ بِتَقْدِيمِ الْإِفْرَادِ عَلَى الْجَمْعِ ‏(‏لَكِنَّهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ ‏(‏الْغَالِبُ‏)‏ مِنْ صَنِيعِهِمْ ‏(‏اسْتِعْمَالُهَا‏)‏ فِيمَا سَمِعُوهُ فِي حَالِ كَوْنِهِ ‏(‏مُذَاكَرَةً‏)‏‏.‏ وَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ‏:‏ إِنَّهُ؛ أَيِ‏:‏ السَّمَاعَ، مُذَاكَرَةٌ لَائِقٌ بِهِ؛ أَيْ‏:‏ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَهُوَ بِهِ أَشْبَهُ مِنْ حَدَّثَنَا- انْتَهَى‏.‏

وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِأَنَّ الْبُخَارِيَّ بِخُصُوصِهِ يَسْتَعْمِلُهَا فِي الْمُذَاكَرَةِ أَبُو إِسْمَاعِيلَ الْهَرَوِيُّ؛ حَيْثُ قَالَ‏:‏ ‏"‏ عِنْدِي أَنَّ ذَاكَ الرَّجُلَ ذَاكَرَ الْبُخَارِيَّ أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ فُلَانٍ حَدِيثَ كَذَا، فَرَوَاهُ بَيْنَ الْمَسْمُوعَاتِ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَهُوَ اسْتِعْمَالٌ حَسَنٌ ظَرِيفٌ، وَلَا أَحَدَ أَفْضَلُ مِنَ الْبُخَارِيِّ ‏"‏‏.‏

وَخَالَفَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ مَنْدَهْ فِي ذَلِكَ؛ حَيْثُ جَزَمَ بِأَنَّهُ إِذَا قَالَ‏:‏ قَالَ لِي فَهُوَ إِجَازَةٌ‏.‏

وَكَذَا قَالَ أَبُو يَعْقُوبَ الْحَافِظُ‏:‏ إِنَّهُ رِوَايَةٌ بِالْإِجَازَةِ‏.‏ وَقَالَ جَعْفَرُ بْنُ حَمْدَانَ‏:‏ إِنَّهُ عَرْضٌ وَمُنَاوَلَةٌ‏.‏ وَهُوَ عَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِهِ مِنْهُمْ لَهُ حُكْمُ الِاتِّصَالِ أَيْضًا عَلَى رَأْيِ الْجُمْهُورِ، لَكِنَّهُ مَرْدُودٌ عَلَيْهِمْ؛ فَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّوْمِ مِنْ صَحِيحِهِ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ‏:‏ قَالَ‏:‏ «إِذَا نَسِيَ أَحَدُكُمْ فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ»، فَقَالَ فِيهِ‏:‏ ثَنَا عَبْدَانُ، وَأَوْرَدَهُ فِي تَأْرِيخِهِ بِصِيغَةِ‏:‏ قَالَ لِي عَبْدَانُ‏.‏

وَكَذَا أَوْرَدَ حَدِيثًا فِي التَّفْسِيرِ مِنْ صَحِيحِهِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُوسَى بِصِيغَةِ التَّحْدِيثِ، ثُمَّ أَوْرَدَهُ فِي الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ مِنْهُ أَيْضًا بِصِيغَةِ‏:‏ قَالَ لِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، فِي أَمْثِلَةٍ كَثِيرَةٍ، حَقَّقَ شَيْخُنَا بِاسْتِقْرَائِهِ لَهَا أَنَّهُ إِنَّمَا يَأْتِي بِهَذِهِ الصِّيغَةِ؛ ‏[‏يَعْنِي بِانْفِرَادِهَا‏]‏، إِذَا كَانَ الْمَتْنُ لَيْسَ عَلَى شَرْطِهِ ‏[‏فِي أَصْلِ مَوْضُوعِ كِتَابِهِ، كَأَنْ يَكُونَ ظَاهِرُهُ الْوَقْفَ، أَوْ فِي السَّنَدِ مَنْ‏]‏ لَيْسَ عَلَى شَرْطِهِ فِي الِاحْتِجَاجِ، ‏[‏وَذَاكَ فِي الْمُتَابَعَاتِ وَالشَّوَاهِدِ‏]‏‏.‏

بَلْ قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ- كَمَا قَدَّمْتُهُ فِي التَّعْلِيقِ- عَقِبَ حَدِيثٍ مِنْ مُسْتَخْرَجِهِ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ بِصِيغَةِ‏:‏ كَتَبَ إِلَيَّ مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ هَذَا الْحَدِيثَ بِالْإِجَازَةِ، وَلَا أَعْلَمُ لَهُ فِي الْكِتَابِ حَدِيثًا بِالْإِجَازَةِ غَيْرَهُ‏.‏

قَالَ شَيْخُنَا‏:‏ وَمُرَادُ أَبِي نُعَيْمٍ بِذَلِكَ مَا كَانَ عَنْ شُيُوخِهِ بِلَا وَاسِطَةٍ، وَإِلَّا فَقَدْ وَقَعَ عِنْدَهُ فِي أَثْنَاءِ الْإِسْنَادِ بِالْإِجَازَةِ الْكَثِيرُ، يَعْنِي كَمَا سَيَأْتِي فِي الْقِسْمِ الْخَامِسِ‏.‏ ثُمَّ إِنَّ ابْنَ مَنْدَهْ نَسَبَ مُسْلِمًا لِذَلِكَ أَيْضًا، فَزَعَمَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِيمَا لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ مَشَايِخِهِ‏:‏ قَالَ لَنَا فُلَانٌ، وَهُوَ تَدْلِيسٌ‏.‏ قَالَ شَيْخُنَا‏:‏ وَرَدَّهُ شَيْخُنَا؛ يَعْنِي‏:‏ النَّاظِمَ، وَهُوَ كَمَا قَالَ‏.‏

‏(‏وَدُونَهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ قَالَ لِي ‏(‏قَالَ بِلَا مُجَارَرَةٍ‏)‏ أَيْ‏:‏ بِدُونِ ذِكْرِ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ الَّتِي قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ‏:‏ إِنَّهَا أَوْضَعُ الْعِبَارَاتِ ‏(‏وَهْيَ‏)‏ مَعَ ذَلِكَ مَحْمُولَةٌ ‏(‏عَلَى السَّمَاعِ إِنْ يُدْرَ اللُّقِيِّ‏)‏ بَيْنَهُمَا، كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ هُنَا، وَفِي التَّعْلِيقِ زَادَ هُنَاكَ‏:‏ ‏"‏ وَكَأَنَّ الْقَائِلَ سَالِمًا مِنَ التَّدْلِيسِ ‏"‏ ‏(‏لَا سِيَّمَا مَنْ عَرَفُوهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ ‏[‏مَنْ عُرِفَ بَيْنَ‏]‏ أَهْلِ الْحَدِيثِ ‏(‏فِي الْمُضِيِّ‏)‏ أَيْ‏:‏ فِيمَا مَضَى ‏(‏أَنْ لَا يَقُولَ ذَا‏)‏ أَيْ‏:‏ لَفْظَ قَالَ عَنْ شَيْخِهِ ‏(‏لِغَيْرِ مَا سَمِعْ مِنْهُ كَحَجَّاجٍ‏)‏، هُوَ ابْنُ مُحَمَّدٍ الْأَعْوَرِ؛ فَإِنَّهُ رَوَى كُتُبَ ابْنِ جُرَيْجٍ بِلَفْظِ‏:‏ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، فَحَمَلَهَا النَّاسُ عَنْهُ وَاحْتَجُّوا بِهَا‏.‏

وَكَذَا قَالَ هَمَّامٌ‏:‏ ‏"‏ مَا قُلْتُ‏:‏ قَالَ قَتَادَةُ، فَأَنَا سَمِعْتُهُ مِنْهُ ‏"‏‏.‏ وَقَالَ شُعْبَةُ‏:‏ لِأَنْ أَزْنِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَقُولَ‏:‏ قَالَ فُلَانٌ، وَلَمْ أَسْمَعْ مِنْهُ‏.‏ ‏(‏وَلَكِنْ يَمْتَنِعْ عُمُومُهُ‏)‏ أَيِ‏:‏ الْحُكْمُ بِذَلِكَ ‏(‏عِنْدَ‏)‏ الْحَافِظِ ‏(‏الْخَطِيبِ‏)‏ إِذَا لَمْ يُعْرَفُ اتِّصَافُهُ بِذَلِكَ ‏(‏وَقَصَرْ‏)‏ الْخَطِيبُ ‏(‏ذَاكَ‏)‏ الْحُكْمَ ‏(‏عَلَى‏)‏ الرَّاوِي الَّذِي ‏(‏بِذَا الْوَصْفِ اشْتَهَرْ‏)‏‏.‏

قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ‏:‏ ‏"‏ وَالْمَحْفُوظُ الْمَعْرُوفُ مَا قَدَّمْنَاهُ ‏"‏‏.‏ وَأَمَّا الْبُخَارِيُّ فَاخْتَارَ شَيْخُنَا- كَمَا تَقَدَّمَ- فِي هَذِهِ الصِّيغَةِ مِنْهُ بِخُصُوصِهِ عَدَمَ طَرْدِ حُكْمٍ مُعَيَّنٍ مَعَ الْقَوْلِ بِصِحَّتِهِ؛ لِجَزْمِهِ بِهِ كَمَا قَرَّرْتُهُ فِي التَّعْلِيقِ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ، ‏[‏وَقَرَّرَ رَدَّ دَعْوَى ابْنِ مَنْدَهْ فِيهَا تَدْلِيسُهُ، بِأَنْ قَالَ‏:‏ لَمْ يَشْتَهِرِ اصْطِلَاحًا لِلْمُدَلِّسِينَ، بَلْ هِيَ وَعَنْ فِي عُرْفِ الْمُتَقَدِّمِينَ مَحْمُولَةٌ عَلَى السَّمَاعِ‏]‏‏.‏

فَائِدَةٌ‏:‏ وَقَعَ فِي الْفِتَنِ مِنْ ‏(‏صَحِيحِ مُسْلِمٍ‏)‏ مِنْ طَرِيقِ الْمُعَلَّى بْنِ زِيَادٍ رَدَّهُ إِلَى مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ رَدَّهُ إِلَى مَعْقِلِ بْنَ يَسَارٍ، رَدَّهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ حَدِيثًا، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي الِاتِّصَالِ، وَلِذَا أَوْرَدَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ، وَإِنْ كَانَ اللَّفْظُ مِنْ حَيْثُ هُوَ يَحْتَمِلُ الْوَاسِطَةَ‏.‏

الثَّانِي‏:‏ الْقِرَاءَةُ عَلَى الشَّيْخِ

375- ثُمَّ الْقِرَاءَةُ الَّتِي نَعَتُّهَا *** مُعْظَمُهُمْ عَرْضًا سَوَى قَرَأْتَهَا

376- مِنْ حِفْظٍ أَوْ كِتَابٍ أَوْ سَمِعْتَا *** وَالشَّيْخُ حَافِظٌ لِمَا عَرَضْتَا

377- أَوْ لَا وَلَكِنْ أَصْلُهُ يُمْسِكُهُ *** بِنَفْسِهِ أَوْ ثِقَةٌ مُمْسِكُهُ

378- قُلْتُ كَذَا إِنْ ثِقَةٌ مِمَّنْ سَمِعْ *** يَحْفَظُهُ مَعَ اسْتِمَاعٍ فَاقْتَنِعْ

379- وَأَجْمَعُوا أَخْذًا بِهَا وَرَدُّوا *** نَقْلَ الْخِلَافِ وَبِهِ مَا اعْتَدُّوا

380- وَالْخُلْفُ فِيهَا هَلْ تُسَاوِي الْأَوَّلَا *** أَوْ دُونَهُ أَوْ فَوْقَهُ فَنُقِلَا

381- عَنْ مَالِكٍ وَصَحْبِهِ وَمُعْظَمِ *** كُوفَةَ وَالْحِجَازِ أَهْلِ الْحَرَمِ

382- مَعَ الْبُخَارِيِّ هُمَا سِيَّانِ *** وَابْنُ أَبِي ذِئْبٍ مَعَ النُّعْمَانِ

383- قَدْ رَجَّحَا الْعَرْضَ وَعَكْسُهُ أَصَحْ *** وَجُلُّ أَهْلِ الشَّرْقِ نَحْوَهُ جَنَحْ

384- وَجَوَّدُوا فِيهِ‏:‏ قَرَأْتُ أَوْ قُرِيَ *** مَعْ ‏"‏ وَأَنَا أَسْمَعُ ‏"‏ ثُمَّ عَبِّرِ

385- بِمَا مَضَى فِي أَوَّلٍ مُقَيَّدَا *** قِرَاءَةً عَلَيْهِ حَتَّى مُنْشِدَا

386- أَنْشَدَنَا قِرَاءَةً عَلَيْهِ، لَا *** سَمِعْتُ لَكِنْ بَعْضُهُمْ قَدْ حَلَّلَا

387- وَمُطْلَقُ التَّحْدِيثِ وَالْإِخْبَارِ *** مَنَعَهُ أَحْمَدُ ذُو الْمِقْدَارِ

388- وَالنَّسَائِيُّ وَالتَّمِيمِيُّ يَحْيَى *** وَابْنُ الْمُبَارَكِ الْحَمِيدُ سَعْيَا

389- وَذَهَبَ الزُّهْرِيُّ وَالْقَطَّانُ *** وَمَالِكٌ وَبَعْدَهُ سُفْيَانُ

390- وَمُعْظَمُ الْكُوفَةِ وَالْحِجَازِ *** مَعَ الْبُخَارِيِّ إِلَى الْجَوَازِ

391- وَابْنُ جُرَيْجٍ وَكَذَا الْأَوْزَاعِي *** مَعَ ابْنِ وَهْبٍ وَالْإِمَامِ الشَّافِعِي

392- وَمُسْلِمٍ وَجُلِّ أَهْلِ الشَّرْقِ *** قَدْ جَوَّزُوا أَخْبَرَنَا لِلْفَرْقِ

393- وَقَدْ عَزَاهُ صَاحِبُ الْإِنْصَافِ *** لِلنَّسَّائِيِّ مِنْ غَيْرِ مَا خِلَافِ

394- وَالْأَكْثَرِينَ وَهُوَ الَّذِي اشْتَهَرْ *** مُصْطَلَحًا لِأَهْلِهِ أَهْلِ الْأَثَرْ

395- وَبَعْضُ مَنْ قَالَ بِذَا أَعَادَا *** قِرَاءَةَ الصَّحِيحِ حَتَّى عَادَا

396- فِي كُلِّ مَتْنٍ قَائِلًا أَخْبَرَكَا *** إِذْ كَانَ قَالَ أَوَّلًا حَدَّثَكَا

397- قُلْتُ وَذَا رَأْيُ الَّذِينَ اشْتَرَطُوا *** إِعَادَةَ الْإِسْنَادِ وَهْوَ شَطَطُ

الْقِسْمُ ‏(‏الثَّانِي‏)‏ مِنْ أَقْسَامِ التَّحَمُّلِ وَالْأَخْذِ ‏(‏الْقِرَاءَةُ عَلَى الشَّيْخِ ثُمَّ‏)‏ يَلِي السَّمَاعَ مِنْ لَفْظِ الشَّيْخِ ‏(‏الْقِرَاءَةُ‏)‏ عَلَيْهِ، وَهِيَ ‏(‏الَّتِي نَعَتَهَا‏)‏ يَعْنِي سَمَاعًا ‏(‏مُعْظَمُهُمُ‏)‏ أَيْ‏:‏ أَكْثَرُ أَهْلِ الْحَدِيثِ مِنَ الشَّرْقِ وَخُرَاسَانَ ‏(‏عَرْضًا‏)‏ يَعْنِي أَنَّ الْقَارِئَ يَعْرِضُ عَلَى الشَّيْخِ كَمَا يَعْرِضُ الْقُرْآنَ عَلَى الْمُقْرِئِ، وَكَأَنَّ أَصْلَهُ مِنْ وَضْعِ عَرْضِ شَيْءٍ عَلَى عَرْضِ شَيْءٍ آخَرَ؛ لِيَنْظُرَ فِي اسْتِوَائِهِمَا وَعَدَمِهِ، وَأَدْرَجَ فِيهِ بَعْضُهُمْ عَرْضَ الْمُنَاوَلَةِ، وَالتَّحْقِيقُ عَدَمُ إِطْلَاقِهِ فِيهِ كَمَا سَيَأْتِي‏.‏

‏(‏سَوَى‏)‏ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْقَصْرِ عَلَى لُغَةٍ؛ أَيْ‏:‏ فِي تَسْمِيَتِهَا عَرْضًا ‏(‏قَرَأْتَهَا‏)‏ أَيِ‏:‏ الْأَحَادِيثَ، بِنَفْسِكَ عَلَى الشَّيْخِ ‏(‏مِنْ حِفْظٍ‏)‏ مِنْكَ ‏(‏أَوْ كِتَابٍ‏)‏ لَكَ أَوْ لِلشَّيْخِ أَوْ لِغَيْرِهِ ‏(‏أَوْ‏)‏ ‏[‏بِالنَّقْلِ فِيهِ وَفِيمَا قَبْلَهُ مَعَ تَنْوِينِ مَا قَبْلَهُمَا، وَإِنِ اتَّزَنَ مَعَ تَرْكِهِ بِالْقَطْعِ‏]‏ ‏(‏سَمِعْتَا‏)‏ بِقِرَاءَةِ غَيْرِكَ مِنْ كِتَابٍ كَذَلِكَ، أَوْ حِفْظِهِ أَيْضًا ‏(‏وَالشَّيْخُ‏)‏ فِي حَالِ التَّحْدِيثِ ‏(‏حَافِظٌ لِمَا عَرَضْتَا‏)‏ أَوْ عَرَضَ غَيْرُكَ عَلَيْهِ ‏(‏أَوْ لَا‏)‏ يَحْفَظُ ‏(‏وَلَكِنْ‏)‏ يَكُونُ ‏(‏أَصْلُهُ‏)‏ مَعَهُ ‏(‏يُمْسِكُهُ‏)‏ هُوَ ‏(‏بِنَفْسِهِ أَوْ ثِقَةٌ‏)‏ ضَابِطٌ، غَيْرُهُ ‏(‏مُمْسِكُهُ‏)‏ كَمَا سَيَأْتِي فِي أَوَّلِ الْفُرُوعِ الْآتِيَةِ قَرِيبًا‏.‏

‏(‏قُلْتُ‏)‏‏:‏ ‏(‏كَذَا‏)‏ الْحُكْمُ ‏(‏إِنْ‏)‏ كَانَ ‏(‏ثِقَةٌ‏)‏ ضَابِطٌ ‏(‏مِمَّنْ سَمِعْ‏)‏ مَعَكَ ‏(‏يَحْفَظُهُ‏)‏ أَيِ‏:‏ الْمَقْرُوءَ ‏(‏مَعَ اسْتِمَاعٍ‏)‏ مِنْهُ لِمَا يَقْرَأُ وَعَدَمِ غَفْلَةٍ عَنْهُ ‏(‏فَاقْتَنِعْ‏)‏ بِذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهَا ابْنُ الصَّلَاحِ، لَكِنَّهُ قَدِ اكْتَفَى بِالثِّقَةِ فِي إِمْسَاكِ الْأَصْلِ، فَلْيَكُنْ فِي الْحِفْظِ كَذَلِكَ؛ إِذْ لَا فَرْقَ، وَهُوَ ظَاهِرٌ‏.‏ وَلِفَارِقٍ أَنْ يُفَرِّقَ بِأَنَّ الْحِفْظَ خَوَّانٌ، وَلَا يَنْفِيَ هَذَا أَرْجَحِيَّةَ بَعْضِ الصُّوَرِ، كَأَنْ يَكُونَ الشَّيْخُ أَوِ الثِّقَةُ مُتَمَيِّزًا فِي الْإِمْسَاكِ أَوْ فِي الْحِفْظِ، أَوْ يَجْتَمِعُ لِأَحَدِهِمَا الْحِفْظُ وَالْإِمْسَاكُ‏.‏

‏(‏وَأَجْمَعُوا‏)‏ أَيْ‏:‏ أَهْلُ الْحَدِيثِ ‏(‏أَخْذًا‏)‏ أَيْ‏:‏ عَلَى الْأَخْذِ وَالتَّحَمُّلِ ‏(‏بِهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ بِالرِّوَايَةِ عَرَضًا وَتَصْحِيحِهَا‏.‏

وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ عِيَاضٌ، فَقَالَ‏:‏ لَا خِلَافَ أَنَّهَا رِوَايَةٌ صَحِيحَةٌ ‏(‏وَرَدُّوا نَقْلَ الْخِلَافِ‏)‏ الْمَحْكِيِّ عَنْ أَبِي عَاصِمٍ النَّبِيلِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَلَامٍ الْجُمَحِيِّ، وَوَكِيعٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ سَلَامٍ؛ فَإِنَّهُ قَالَ‏:‏ أَدْرَكْتُ مَالِكًا، فَإِذَا النَّاسُ يَقْرَءُونَ عَلَيْهِ، فَلَمْ أَسْمَعْ مِنْهُ لِذَلِكَ، وَغَيْرِهِمْ مِنَ السَّلَفِ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ مِمَّنْ كَانَ يُشَدِّدُ وَلَا يَعْتَدُّ إِلَّا بِمَا سَمِعَهُ مِنْ أَلْفَاظِ الْمَشَايِخِ ‏(‏وَبِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ بِالْخِلَافِ ‏(‏مَا اعْتَدُّوا‏)‏ لِعِلْمِهِمْ بِخِلَافِهِ‏.‏

وَكَانَ مَالِكٌ يَأْبَى أَشَدَّ الْإِبَاءِ عَلَى الْمُخَالِفِ وَيَقُولُ‏:‏ كَيْفَ لَا يُجْزِيكَ هَذَا فِي الْحَدِيثِ وَيُجْزِيكَ فِي الْقُرْآنِ، وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ أَعْظَمُ‏؟‏‏!‏ وَلِذَا قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ‏:‏ صَحِبْتُهُ سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَمَا رَأَيْتُهُ قَرَأَ ‏(‏الْمُوَطَّأَ‏)‏ عَلَى أَحَدٍ، بَلْ يَقْرَءُونَ عَلَيْهِ‏.‏

وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ‏:‏ يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ، لَا تَدَعُونَ تَنَطُّعَكُمْ، الْعَرْضُ مِثْلُ السَّمَاعِ‏.‏ وَاسْتَدَلَّ لَهُ أَبُو سَعِيدٍ الْحَدَّادُ، كَمَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ، مِنْ طَرِيقِ ابْنِ خُزَيْمَةَ‏:‏ سَمِعْتُ الْبُخَارِيَّ يَقُولُ‏:‏ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْحَدَّادُ‏:‏ عِنْدِي خَبَرٌ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْقِرَاءَةِ عَلَى الْعَالِمِ، فَقِيلَ لَهُ، فَقَالَ قِصَّةُ ضِمَامِ بْنِ ثَعْلَبَةَ، قَالَ‏:‏ آللَّهُ أَمَرَكَ بِهَا‏؟‏ قَالَ‏:‏ «نَعَمْ»، وَرَجَعَ ضِمَامٌ إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ لَهُمْ‏:‏ ‏"‏ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ رَسُولًا، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ كِتَابًا، وَقَدْ جِئْتُكُمْ مِنْ عِنْدِهِ بِمَا أَمَرَكُمْ بِهِ وَنَهَاكُمْ عَنْهُ‏.‏ فَأَسْلَمُوا عَنْ آخِرِهِمْ ‏"‏‏.‏

قَالَ الْبُخَارِيُّ‏:‏ فَهَذَا- أَيْ‏:‏ قَوْلُ ضِمَامٍ‏:‏ آللَّهُ أَمَرَكَ- قِرَاءَةٌ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَخْبَرَ ضِمَامٌ قَوْمَهُ بِذَلِكَ، فَأَجَازُوهُ؛ أَيْ‏:‏ قَبِلُوهُ مِنْهُ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ لَكِنَّ ‏(‏الْخُلْفُ‏)‏ بَيْنَهُمْ ‏(‏فِيهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ فِي الْقِرَاءَةِ عَرْضًا ‏(‏هَلْ تُسَاوِي‏)‏ الْقِسْمَ ‏(‏الْأَوَّلَا‏)‏ أَيِ‏:‏ السَّمَاعَ لَفْظًا ‏(‏أَوْ‏)‏ هِيَ ‏(‏دُونَهُ أَوْ فَوْقَهُ فَنُقِلَا‏)‏ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ؛ ‏[‏يَعْنِي‏:‏ جَاءَ‏]‏ ‏(‏عَنْ مَالِكٍ‏)‏، هُوَ ابْنُ أَنَسٍ ‏(‏وَصَحْبِهِ‏)‏، بَلْ وَأَشْبَاهِهِ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَعُلَمَائِهَا كَالزُّهْرِيِّ كَمَا قَالَهُ عِيَاضٌ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ كَذَا عَنْ ‏(‏مُعْظَمِ‏)‏ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَهْلِ ‏(‏كُوفَةَ‏)‏ بِفَتْحِ التَّاءِ غَيْرِ مُنْصَرِفٍ كَالثَّوْرِيِّ ‏(‏وَ‏)‏ مِنْ أَهْلٍ ‏(‏الْحِجَازِ أَهْلِ الْحَرَمِ‏)‏ أَيْ‏:‏ مَكَّةَ؛ كَابْنِ عُيَيْنَةَ ‏(‏مَعَ‏)‏ النَّاقِدِ الْحُجَّةِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ‏(‏الْبُخَارِيِّ‏)‏ فِي جَمَاعَةٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ كَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، أَوْرَدَهُمُ الْبُخَارِيُّ فِي أَوَائِلَ صَحِيحِهِ، وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ فِي رِوَايَةٍ ‏(‏هُمَا‏)‏ أَيْ‏:‏ إِنَّهُمَا فِي الْقُوَّةِ وَالصِّحَّةِ ‏(‏سِيَّانِ‏)‏‏.‏

وَمِمَّنْ رَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ؛ فَإِنَّهُ قَالَ‏:‏ إِنَّهُ سُئِلَ عَنْ حَدِيثِهِ أَسَمَاعٌ هُوَ‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ مِنْهُ سَمَاعٌ، وَمِنْهُ عَرْضٌ، وَلَيْسَ الْعَرْضُ عِنْدَنَا بِأَدْنَى مِنَ السَّمَاعِ‏.‏ وَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ؛ إِذْ لِكُلٍ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَجْهُ أَرْجَحِيَّةٍ، وَوَجْهُ مَرْجُوحِيَّةٍ، فَتَعَادَلَا‏.‏ وَحَكَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَعِيَاضٌ عَنْ أَكْثَرِ أَئِمَّةِ الْمُحَدِّثِينَ، وَالصَّيْرَفِيُّ عَنْ نَصِ الشَّافِعِيِّ‏.‏

قَالَ عَوْفٌ الْأَعْرَابِيُّ‏:‏ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ فَقَالَ‏:‏ يَا أَبَا سَعِيدٍ، مَنْزِلِي بَعِيدٌ، وَالِاخْتِلَافُ عَلَيَّ يَشُقُّ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَى بِالْقِرَاءَةِ بَأْسًا قَرَأْتُ عَلَيْكَ، فَقَالَ‏:‏ مَا أُبَالِي قَرَأْتُ عَلَيْكَ أَوْ قَرَأْتَ عَلَيَّ، قَالَ‏:‏ فَأَقُولُ‏:‏ حَدَّثَنِي الْحَسَنُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ نَعَمْ‏.‏ وَيُرْوَى فِيهِ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ، لَفْظُهُ‏:‏ «قِرَاءَتُكَ عَلَى الْعَالِمِ وَقِرَاءَةُ الْعَالِمِ عَلَيْكَ سَوَاءٌ»، وَلَا يَصِحُّ رَفْعُهُ‏.‏

وَالْقَوْلُ الثَّانِي‏:‏ الْوَقْفُ، حَكَاهُ بَعْضُهُمْ، وَ‏(‏ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ‏)‏، هُوَ أَبُو الْحَارِثِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ الْحَارِثِ الْقُرَشِيُّ الْعَامِرِيُّ الْمَدَنِيُّ ‏(‏مَعَ‏)‏ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ ‏(‏النُّعْمَانِ‏)‏ بْنِ ثَابِتٍ ‏(‏قَدْ رَجَّحَا الْعَرْضَ‏)‏ عَلَى السَّمَاعِ لَفْظًا، فَرَوَى السُّلَيْمَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ قَالَ‏:‏ كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ‏:‏ قِرَاءَتُكَ عَلَى الْمُحَدِّثِ أَثْبَتُ وَأَوْكَدُ مِنْ قِرَاءَتِهِ عَلَيْكَ؛ إِنَّهُ إِذَا قَرَأَ عَلَيْكَ فَإِنَّمَا يَقْرَأُ عَلَى مَا فِي الصَّحِيفَةِ، وَإِذَا قَرَأْتَ عَلَيْهِ فَقَالَ‏:‏ حَدِّثْ عَنِّي مَا قَرَأْتَ، فَهُوَ تَأْكِيدٌ‏.‏

وَعَنْ مُوسَى بْنِ دَاوُدَ قَالَ‏:‏ إِذَا قَرَأْتَ عَلَيَّ شَغَلْتُ نَفْسِي بِالْإِنْصَاتِ لَكَ، وَإِذَا حَدَّثْتُكَ غَفَلْتُ عَنْكَ‏.‏ رَوَاهُ الرَّامَهُرْمُزِيُّ ثُمَّ عِيَاضٌ فِي آخَرِينَ مِنَ الْمَدَنِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ كَيَحْيَى بْنِ سَعِيدِ بْنِ فَرُّوخَ الْقَطَّانِ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ، وَابْنُ جُرَيْجٍ وَشُعْبَةُ مُحْتَجِّينَ بِأَنَّ الشَّيْخَ لَوْ سَهَا لَمْ يَتَهَيَّأْ لِلطَّالِبِ الرَّدُّ عَلَيْهِ؛ إِمَّا لِجَهَالَتِهِ، أَوْ لِهَيْبَةِ الشَّيْخِ، أَوْ لِظَنِّهِ فِيمَا يَكُونُ فِيهِ الْمَحَلُّ قَابِلًا لِلِاخْتِلَافِ أَنَّ ذَلِكَ مَذْهَبَهُ‏.‏

وَبِهَذَا الْأَخِيرِ عَلَّلَ مَالِكٌ إِشَارَتَهُ لِنَافِعٍ الْقَارِئِ بِعَدَمِ الْإِمَامَةِ فِي الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ، وَقَالَ‏:‏ الْمِحْرَابُ مَوْضِعُ مِحْنَةٍ، فَإِنْ زَلَلْتَ فِي حَرْفٍ وَأَنْتَ إِمَامٌ حُسِبَتْ قِرَاءَةً وَحُمِلَتْ عَنْكَ- انْتَهَى‏.‏

وَيَشْهَدُ لِلْأَخِيرِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ فِي صَلَاةٍ فَتَرَكَ آيَةً، فَلَمَّا فَرَغَ أَعْلَمَهُ بَعْضُ الصَّحَابَةِ بِذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ‏:‏ «فَهَلَّا أَذْكَرْتِنِيهَا‏؟‏» قَالَ‏:‏ كُنْتُ أُرَاهَا نُسِخَتْ‏.‏ بِخِلَافِ مَا إِذَا كَانَ الطَّالِبُ هُوَ الْقَارِئَ؛ فَإِنَّهُ لَا هَيْبَةَ لَهُ، وَلَا يُعَدُّ خَطَؤُهُ مَذْهَبًا، أَشَارَ إِلَيْهِ عِيَاضٌ‏.‏ وَكَذَا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَامٍ‏:‏ الْقِرَاءَةُ عَلَيَّ أَثْبَتُ لِي، ‏[‏وَأَفْهَمُ لِي‏]‏، مِنْ أَنْ أَتَوَلَّى الْقِرَاءَةَ أَنَا‏.‏

وَنَحْوُهُ قَوْلُ ابْنِ فَارِسٍ‏:‏ السَّامِعُ أَرْبَطُ جَأْشًا، وَأَوْعَى قَلْبًا، وَشُغْلُ الْقَلْبِ وَتَوَزُّعُ الْفِكْرِ إِلَى الْقَارِئِ أَسْرَعُ، فَلِذَلِكَ رَجَحَ‏.‏ وَنَحْوُهُ قَوْلُ مَنْ ذَهَبَ لِتَرْجِيحِ اسْتِمَاعِ الْقُرْآنِ عَلَى قِرَاءَتِهِ، الْمُسْتَمِعُ غَالِبًا أَقْوَى عَلَى التَّدَبُّرِ، وَنَفْسُهُ أَخْلَى وَأَنْشَطُ لِذَلِكَ مِنَ الْقَارِئِ؛ لِاشْتِغَالِهِ بِالْقِرَاءَةِ وَأَحْكَامِهَا‏.‏

وَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ الثَّالِثُ، وَنَقَلَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي غَرَائِبِ مَالِكٍ، وَالْخَطِيبُ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ مَالِكٍ، وَكَذَا رُوِّينَاهُ فِي الْحَثِّ عَلَى الطَّلَبِ لِلسُّلَيْمَانِيِّ، وَفِي الْإِلْمَاعِ مِنْ طَرِيقِ الْقَعْنَبِيِّ قَالَ‏:‏ قَالَ لِي مَالِكٌ‏:‏ قِرَاءَتُكَ عَلَيَّ أَصَحُّ مِنْ قِرَاءَتِي عَلَيْكَ‏.‏

وَلَكِنَّ الْمَعْرُوفَ عَنْهُ التَّسْوِيَةُ، وَمَا حَكَاهُ أَبُو خَلِيفَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَلَامٍ الْجُمَحِيِّ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ‏:‏ دَخَلْتُ عَلَى مَالِكٍ وَعَلَى بَابِهِ مَنْ يَحْجُبُهُ وَبَيْنَ يَدَيْهِ ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ يَقُولُ‏:‏ حَدَّثَكَ نَافِعٌ، حَدَّثَكَ الزُّهْرِيُّ، حَدَّثَكَ فُلَانٌ، وَمَالِكٌ يَقُولُ‏:‏ نَعَمْ‏.‏ فَلَمَّا فَرَغَ قُلْتُ‏:‏ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، عَوِّضْنِي مِمَّا حَدَّثْتَ بِثَلَاثَةِ أَحَادِيثَ تَقْرَؤُهَا عَلَيَّ، قَالَ‏:‏ أَعِرَاقِيٌّ أَنْتَ‏؟‏ أَخْرِجُوهُ عَنِّي‏.‏ فَمُحْتَمِلٌ لِلتَّسْوِيَةِ، أَوْ تَرْجِيحِ الْعَرْضِ‏.‏

بَلْ قِيلَ‏:‏ إِنَّ الَّذِي قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ إِنَّمَا هُوَ فِيمَا إِذَا كَانَ الشَّيْخُ يُحَدِّثُ مِنْ كِتَابٍ، أَمَّا حَيْثُ حَدَّثَ مِنْ حِفْظِهِ فَلَا‏.‏ ‏(‏وَعَكْسُهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ تَرْجِيحُ السَّمَاعِ لَفْظًا عَلَى الْعَرْضِ ‏(‏أَصَحْ‏)‏ وَأَشْهَرُ ‏(‏وَجُلُّ‏)‏ أَيْ‏:‏ مُعْظَمُ ‏(‏أَهْلِ الشَّرْقِ‏)‏ وَخُرَاسَانَ كَمَا قَالَهُ عِيَاضٌ ‏(‏نَحْوَهُ جَنَحْ‏)‏، لَكِنَّ مَحَلَّهُ مَا لَمْ يَعْرِضْ عَارِضٌ يَصِيرُ الْعَرْضُ أَوْلَى بِأَنْ يَكُونَ الطَّالِبُ أَعْلَمَ أَوْ أَضَبَطَ وَنَحْوَ ذَلِكَ، كَأَنْ يَكُونَ الشَّيْخُ فِي حَالِ الْقِرَاءَةِ عَلَيْهِ أَوْعَى وَأَيْقَظَ مِنْهُ فِي حَالِ قِرَاءَتِهِ هُوَ‏.‏ وَحِينَئِذٍ فَالْحَقُّ أَنَّ كُلَّمَا كَانَ فِيهِ الْأَمْنُ مِنَ الْغَلَطِ وَالْخَطَأِ أَكْثَرَ كَانَ أَعْلَى مَرْتَبَةً‏.‏

وَأَعْلَاهَا فِيمَا يَظْهَرُ أَنْ يَقْرَأَ الشَّيْخُ مِنْ أَصْلِهِ، وَأَحَدُ السَّامِعِينَ يُقَابِلُ بِأَصْلٍ آخَرَ؛ لِيَجْتَمِعَ فِيهِ اللَّفْظُ وَالْعَرْضُ ‏(‏وَجَوَّدُوا فِيهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ وَرَأَى أَهْلُ الْحَدِيثِ الْأَجْوَدَ وَالْأَسْلَمَ فِي أَدَاءِ مَا سَمِعَ كَذَلِكَ أَنْ يَقُولَ‏:‏ ‏(‏قَرَأْتُ‏)‏ عَلَى فُلَانٍ إِنْ كَانَ هُوَ الَّذِي قَرَأَ ‏(‏أَوْ قُرِئَ‏)‏ عَلَى فُلَانٍ إِنْ كَانَ بِقِرَاءَةِ غَيْرِهِ ‏(‏مَعْ‏)‏ بِالسُّكُونِ، تَصْرِيحِهِ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏وَأَنَا أَسْمَعُ‏)‏ لِلْأَمْنِ مِنَ التَّدْلِيسِ‏.‏

قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ‏:‏ وَهَذَا سَائِغٌ مِنْ غَيْرِ إِشْكَالٍ‏.‏ ‏(‏ثُمَّ عَبِّرِ‏)‏ أَيُّهَا الْمُحَدِّثُ ‏(‏بِمَا مَضَى فِي أَوَّلِ‏)‏ أَيْ‏:‏ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ ‏(‏مُقَيِّدَا‏)‏ ذَلِكَ بِقَوْلِكَ‏:‏ ‏(‏قِرَاءَةً عَلَيْهِ‏)‏، فَقُلْ‏:‏ ثَنَا فُلَانٌ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ، أَوْ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ، أَوْ أَنَا فُلَانٌ بِقِرَاءَتِي أَوْ قِرَاءَةً عَلَيْهِ، أَوْ أَنْبَأَنَا، أَوْ نَبَّأَنَا فُلَانٌ بِقِرَاءَتِي أَوْ قِرَاءَةً عَلَيْهِ، ‏[‏أَوْ قَالَ لَنَا فُلَانٌ بِقِرَاءَتِي أَوْ قِرَاءَةً عَلَيْهِ‏]‏، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ ‏(‏حَتَّى‏)‏ وَلَوْ كُنْتَ ‏(‏مُنْشِدًا‏)‏ نَظْمًا لِغَيْرِكَ سَمِعْتَهُ بِقِرَاءَةِ غَيْرِكَ أَوْ قِرَاءَتِهِ، فَقُلْ‏:‏ ‏(‏أَنْشَدَنَا‏)‏ فُلَانٌ ‏(‏قِرَاءَةً عَلَيْهِ‏)‏، ‏[‏أَوْ بِقِرَاءَتِي، أَوْ سَمَاعًا عَلَيْهِ‏]‏، هَذَا مَعَ ظُهُورِهَا فِيمَا يُنْشِدُهُ الشَّيْخُ لَفْظًا ‏(‏لَا‏)‏ أَيْ‏:‏ إِلَّا ‏(‏سَمِعْتُ‏)‏ فُلَانًا؛ فَإِنَّهُمْ ‏[‏مَعَ شُمُولِ كَلَامِ ابْنِ الصَّلَاحِ لَهَا‏]‏ اسْتَثْنَوْهَا فِي الْعَرْضِ مِمَّا مَضَى فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ‏.‏

وَصَرَّحَ أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ الْمِصْرِيُّ بِعَدَمِ جَوَازِهَا ‏(‏لَكِنْ بَعْضُهُمُ‏)‏ ‏[‏كَالسُّفْيَانَيْنِ وَمَالِكٍ فِيمَا حَكَاهُ عِيَاضٌ عَنْهُمْ‏]‏ ‏(‏قَدْ حَلَّلَا‏)‏ ذَلِكَ، وَاسْتَعْمَلَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَهُوَ كَمَا قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي اقْتِرَاحِهِ‏:‏ ‏"‏ تَسَامُحٌ خَارِجٌ عَنِ الْوَضْعِ لَيْسَ لَهُ وَجْهٌ ‏"‏، قَالَ‏:‏ وَلَا أَرَى جَوَازَهُ لِمَنِ اصْطَلَحَهُ لِنَفْسِهِ‏.‏ نَعَمْ، إِنْ كَانَ اصْطِلَاحًا عَامًّا فَقَدْ يَقْرُبُ الْأَمْرُ فِيهِ، قَالَ‏:‏ وَلَا شَكَّ أَنَّ الِاصْطِلَاحَ وَاقِعٌ عَلَى قَوْلِ الْمُؤَرِّخِينَ فِي التَّرَاجِمِ‏:‏ سَمِعَ فُلَانًا وَفُلَانًا، مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِسَمَاعِهِ مِنْ لَفْظِهِ‏.‏

وَبِالْجُمْلَةِ، فَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، وَمِمَّنْ صَحَّحَهُ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ، وَاسْتَبْعَدَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ الْخِلَافَ، وَقَالَ‏:‏ يَنْبَغِي الْجَزْمُ بِعَدَمِ الْجَوَازِ؛ لِأَنَّ ‏"‏ سَمِعْتُ ‏"‏ صَرِيحَةٌ فِي السَّمَاعِ لَفْظًا؛ يَعْنِي‏:‏ كَمَا تَقَدَّمَ‏.‏ ‏[‏وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ‏]‏، وَإِلَّا فَقَدِ اسْتَعْمَلَهَا السِّلَفِيُّ فِي كِتَابِهِ ‏(‏الطِّبَاقِ‏)‏ فَيَقُولُ‏:‏ سَمِعْتُ بِقِرَاءَتِي، وَلِذَا قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ‏:‏ وَرُبَّمَا قَرَّبَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنْ يَقُولَ‏:‏ سَمِعْتُ فُلَانًا قِرَاءَةً عَلَيْهِ‏.‏ وَنَحْوُهُ صَنِيعُ النَّوَوِيِّ فِي جَمْعِهِمَا لِمَنْ قَرَأَ عَلَيْهِ‏.‏

وَلِذَلِكَ فَائِدَةٌ جَلِيلَةٌ، وَهُوَ عَدَمُ اتِّصَافِهِ بِمَا يَمْنَعُ السَّمَاعَ، بَلْ ‏(‏وَمُطْلَقُ التَّحْدِيثِ وَالْإِخْبَارِ‏)‏ مِمَّنْ أَخَذَ عَرْضًا بِدُونِ تَقْيِيدٍ بِقِرَاءَتِهِ، أَوْ قِرَاءَةِ غَيْرِهِ وَهُوَ يَسْمَعُ ‏(‏مَنَعَهُ‏)‏ الْإِمَامُ ‏(‏أَحْمَدُ‏)‏ بْنُ حَنْبَلٍ ‏(‏ذُو الْمِقْدَارِ‏)‏ الْجَلِيلِ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ ‏(‏وَ‏)‏ كَذَا ‏(‏النَّسَائِيُّ‏)‏ صَاحِبُ السُّنَنِ عَلَى الْمَشْهُورِ عَنْهُ أَيْضًا، كَمَا صَرَّحَ بِهِ النَّوَوِيُّ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ مِمَّنْ مَنَعَ أَيْضًا ‏(‏التَّمِيمِيْ‏)‏ بِالسُّكُونِ بِنِيَّةِ الْوَقْفِ ‏(‏يَحْيَى وَابْنُ الْمُبَارَكِ‏)‏ عَبْدُ اللَّهِ ‏(‏الْحَمِيدُ سَعْيًا‏)‏ أَيْ‏:‏ سَعْيُهُ‏.‏ قَالَ الْخَطِيبُ‏:‏ وَهُوَ مَذْهَبُ خَلْقٍ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ‏.‏ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَانِيُّ‏:‏ إِنَّهُ الصَّحِيحُ‏.‏

‏(‏وَذَهَبَ‏)‏ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ شِهَابٍ ‏(‏الزُّهْرِيُّ‏)‏، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ ‏(‏الْقَطَّانُ‏)‏، وَالثَّوْرِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ، وَصَاحِبَاهُ ‏(‏وَمَالِكٌ‏)‏ ابْنُ أَنَسٍ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ ‏(‏وَبَعْدَهُ سُفْيَانُ‏)‏ بْنُ عُيَيْنَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ ‏(‏وَمُعْظَمُ‏)‏ أَهْلِ ‏(‏الْكُوفَةِ وَالْحِجَازِ‏)‏ مَعَ الْإِمَامِ ‏(‏الْبُخَارِيِّ‏)‏ صَاحِبِ الصَّحِيحِ ‏(‏إِلَى الْجَوَازِ‏)‏ لِعَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَ الصِّيغَتَيْنِ كَمَا فِي الْقِسْمِ قَبْلَهُ‏.‏

وَلَفْظُ الزُّهْرِيِّ‏:‏ مَا أُبَالِي قِرَاءَةً عَلَى الْمُحَدِّثِ أَوْ حَدَّثَنِي، كِلَاهُمَا أَقُولُ فِيهِ‏:‏ ثَنَا‏.‏

وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعٍ‏:‏ رَأَيْتُ مَنْ يَقْرَأُ عَلَى الْأَعْرَجِ حَدِيثَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَقُولُ‏:‏ هَذَا حَدِيثُكَ يَا أَبَا دَاوُدَ‏؟‏ وَهِيَ كُنْيَةُ الْأَعْرَجِ، فَيَقُولُ‏:‏ نَعَمْ، قَالَ‏:‏ فَأَقُولُ‏:‏ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَقَدْ قَرَأْتُ عَلَيْكَ‏؟‏ قَالَ‏:‏ نَعَمْ‏.‏ وَعَلَيْهِ اسْتَمَرَّ عَمَلُ الْمَغَارِبَةِ، وَكَذَا سَوَّى بَيْنَهُمَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ وَالنَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، وَوَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، وَثَعْلَبٌ وَالطَّحَاوِيُّ، وَلَهُ فِيهِ جُزْءٌ سَمِعْتُهُ، وَاحْتَجَّ لَهُ بِآيَاتٍ تَقَدَّمَ بَعْضُهَا فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، وَبِغَيْرِ ذَلِكَ‏.‏ بَلْ حَكَاهُ عِيَاضٌ عَنِ الْأَكْثَرِينَ، وَالْخَطِيبُ وَابْنُ فَارِسٍ، فِي جُزْءٍ لَهُ سَمِعْتُهُ سَمَّاهُ ‏(‏مَآخِذُ الْعِلْمِ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ‏)‏، وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي مُخْتَصَرِهِ‏.‏ وَسَأَلَ رَجُلٌ مُحَمَّدَ بْنَ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيَّ‏:‏ مَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ سُوءُ الْخُلُقِ‏.‏

وَكَذَا مِمَّنْ حُكِيَ عَنْهُ التَّسْوِيَةَ أَبُو عَاصِمٍ النَّبِيلُ، مَعَ الْحِكَايَةِ عَنْهُ أَوَّلًا لِعَدَمِ قَبُولِهِ الْعَرْضَ أَصْلًا، ‏[‏وَكَأَنَّ ذَاكَ اخْتِيَارُهُ، وَذَا مَشْيًا مِنْهُ عَلَى مَذْهَبِ الْقَائِلِينَ بِهِ‏]‏ ‏(‏وَابْنُ جُرَيْجٍ‏)‏، هُوَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْمَكِّيُّ، فِيمَا حَكَاهُ الْخَطِيبُ فِي جَامِعِهِ وَكِفَايَتِهِ، كَمَا بَيَّنْتُهُ فِي الْحَاشِيَةِ، ثُمَّ ابْنُ الصَّلَاحِ ‏(‏وَكَذَا‏)‏ أَبُو عَمْرٍو عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَمْرٍو ‏(‏الْأَوْزَاعِيُّ‏)‏ الشَّامِّيُّ، وَابْنُ مَعِينٍ ‏(‏مَعَ‏)‏ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ، وَ‏(‏ابْنِ وَهْبٍ‏)‏ عَبْدُ اللَّهِ الْمِصْرِيِّ‏.‏

‏(‏وَالْإِمَامُ‏)‏ الْأَعْظَمُ نَاصِرُ السُّنَّةِ ‏(‏الشَّافِعِيُّ‏)‏، مَعَ كَوْنِ الْحَاكِمِ قَدْ أَدْرَجَهُ فِي الْمُسَوِّينَ ‏(‏وَ‏)‏ مَعَ ‏(‏مُسْلِمٍ‏)‏ صَاحِبِ الصَّحِيحِ ‏(‏وَجُلِّ‏)‏ أَيْ‏:‏ أَكْثَرِ ‏(‏أَهْلِ الشَّرْقِ قَدْ جَوَّزُوا‏)‏ إِطْلَاقَ ‏(‏أَخْبَرَنَا‏)‏ دُونَ حَدَّثَنَا ‏(‏لِلْفَرْقِ‏)‏ بَيْنَهُمَا، وَالتَّمْيِيزِ بَيْنَ النَّوْعَيْنِ‏.‏

وَاسْتَشْهَدَ لَهُ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ بِأَنَّهُ لَوْ قَالَ‏:‏ مَنْ أَخْبَرَنِي بِكَذَا فَهُوَ حُرٌّ، وَلَا نِيَّةَ لَهُ، فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ بَعْضُ أَرِقَّائِهِ، بِكِتَابٍ أَوْ رَسُولٍ أَوْ كَلَامٍ، عُتِقَ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ‏:‏ مَنْ حَدَّثَنِي بِكَذَا فَإِنَّهُ لَا يُعْتَقُ، إِلَّا إِنْ شَافَهَهُ‏.‏ زَادَ بَعْضُهُمْ‏:‏ وَالْإِشَارَةُ مِثْلُ الْخَبَرِ‏.‏

وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ‏:‏ ثَنَا يَعْنِي فِي الْعَرْضِ بَعِيدٌ مِنَ الْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ، بِخِلَافِ أَنَا فَهُوَ صَالِحٌ لِمَا حَدَّثَ بِهِ الشَّيْخُ، وَلِمَا قُرِئَ عَلَيْهِ فَأَقَرَّ بِهِ، فَلَفْظُ الْإِخْبَارِ أَعَمُّ مِنَ التَّحْدِيثِ، فَكُلُّ تَحْدِيثٍ إِخْبَارٌ، وَلَا يَنْعَكِسُ‏.‏

‏(‏وَقَدْ عَزَاهُ‏)‏ أَيِ‏:‏ الْقَوْلَ بِالْفَرْقِ، أَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ خَلَّادٍ التَّمِيمِيُّ الْمِصْرِيُّ الْجَوْهَرِيُّ صَاحِبُ ‏(‏الْإِنْصَافِ‏)‏ فِيمَا بَيْنَ الْأَئِمَّةِ فِي ثَنَا وَأَنَا مِنَ الِاخْتِلَافِ، وَكِتَابِ ‏(‏إِجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ‏)‏ أَيْضًا ‏(‏لِ‏)‏ عَصْرِيِّهِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ ‏(‏النَّسَائِيِّ مِنْ غَيْرِ مَا خِلَافِ‏)‏ أَيْ‏:‏ مِنْ غَيْرِ حِكَايَةِ خِلَافِهِ عَنْهُ، وَكَأَنَّهُ لَمْ يَسْتَحْضِرْ مَا تَقَدَّمَ عَنْهُ مِمَّا هُوَ أَشْهَرُ مِنْ هَذَا‏.‏

‏(‏وَالْأَكْثَرِينَ‏)‏ ‏[‏أَيْ‏:‏ وَعَزَاهُ التَّمِيمِيُّ أَيْضًا لِلْأَكْثَرِينَ‏]‏ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ الَّذِينَ لَا يُحْصِيهِمْ أَحَدٌ ‏(‏وَهُوَ‏)‏ بِضَمِّ الْهَاءِ عَلَى لُغَةِ أَهْلِ الْحِجَازِ ‏(‏الَّذِي اشْتَهَرْ‏)‏ وَشَاعَ ‏(‏مُصْطَلَحًا‏)‏ أَيْ‏:‏ مِنْ جِهَةِ الِاصْطِلَاحِ ‏(‏لِأَهْلِهِ أَهْلِ الْأَثَرِ‏)‏ حَيْثُ جَعَلُوا أَنَا عَلَمًا يَقُومُ مَقَامَ قَوْلِهِ‏:‏ أَنَا قَرَأْتُهُ، لَا أَنَّهُ لَفَظَ لِي بِهِ‏.‏ وَالِاصْطِلَاحُ لَا مُشَاحَحَةَ فِيهِ، بَلْ خَطَّأَ مَنْ خَرَجَ عَنْهُ جَمَاعَةٌ، مِنْهُمُ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ الْإِسْفَرَايِينِيُّ، وَالشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ، وَعِبَارَةُ أَوَّلِهِمَا‏:‏ لَا يَجُوزُ فِيمَا قَرَأَ أَوْ سَمِعَ أَنْ يَقُولَ‏:‏ ثَنَا، وَلَا فِيمَا سَمِعَ لَفْظًا أَنْ يَقُولَ‏:‏ أَنَا؛ إِذْ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ ظَاهِرٌ، وَمَنْ لَمْ يَحْفَظْ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ كَانَ مِنَ الْمُدَلِّسِينَ‏.‏

لَكِنْ قَدْ كَانَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ يَقُولُ‏:‏ إِنْ كَانَ الِاصْطِلَاحُ مُبَايِنًا لِلُّغَةِ مُبَايَنَةً كُلِّيَّةً، فَهَذَا يُشَاحَحُ فِيهِ، وَإِلَّا فَلَا‏.‏ وَقَوْلُ ابْنِ الصَّلَاحِ هُنَا‏:‏ ‏"‏ وَالِاحْتِجَاجُ لِذَلِكَ مِنْ حَيْثُ اللُّغَةِ فِيهِ عَنَاءٌ وَتَكَلُّفٌ ‏"‏، يُشْعِرُ بِأَنَّهُ لَوْ تُكُلِّفَ لَهُ لَأَمْكَنَ أَنْ يُسْتَخْرَجَ مِنَ اللُّغَةِ مَا يَكُونُ وَجْهًا لِلتَّفْرِقَةِ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ، قَالَ‏:‏ ‏"‏ وَخَيْرُ مَا يُقَالُ فِيهِ‏:‏ إِنَّهُ اصْطِلَاحٌ مِنْهُمْ، أَرَادُوا بِهِ التَّمْيِيزَ بَيْنَ النَّوْعَيْنِ، ثُمَّ خُصِّصَ أَوَّلُهُمَا بِالتَّحْدِيثِ؛ لِقُوَّةِ إِشْعَارِهِ بِالنُّطْقِ وَالْمُشَافَهَةِ‏.‏

وَيُقَالُ‏:‏ إِنَّ ابْنَ وَهْبٍ أَوَّلُ مَنْ أَحْدَثَ التَّفْرِقَةَ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ، لَا مُطْلَقًا، ‏[‏بَلْ بِخُصُوصِ مِصْرَ‏]‏ ‏(‏وَبَعْضُ مَنْ قَالَ بِذَا‏)‏ أَيِ‏:‏ الْفَرْقِ بَيْنَ الصِّيغَتَيْنِ، وَهُوَ أَبُو حَاتِمٍ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْهَرَوِيُّ أَحَدُ رُؤَسَاءِ الْحَدِيثِ بِخُرَاسَانَ، فِيمَا حَكَاهُ الْخَطِيبُ عَنْ شَيْخِهِ الْبَرْقَانِيِّ عَنْهُ ‏(‏أَعَادَا قِرَاءَةَ الصَّحِيحِ‏)‏ لِلْبُخَارِيِّ بَعْدَ قِرَاءَتِهِ لَهُ عَلَى بَعْضِ رُوَاتِهِ عَنِ الْفَرْبَرِيِّ ‏(‏حَتَّى عَادَا‏)‏ أَيْ‏:‏ رَجَعَ ‏(‏فِي كُلِّ مَتْنٍ‏)‏ حَالَ كَوْنِهِ ‏(‏قَائِلًا أَخْبَرَكَا‏)‏ الْفَرْبَرِيُّ ‏(‏إِذْ كَانَ قَالَ‏)‏ لَهُ ‏(‏أَوَّلًا‏)‏ لِظَنِّهِ أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنَ الْفَرْبَرِيِّ لَفْظًا‏:‏ ‏(‏حَدَّثَكَا‏)‏ الْفَرْبَرِيُّ، بَلْ قَالَ لِشَيْخِهِ الَّذِي قَرَأَ عَلَيْهِ‏:‏ تَسْمَعُنِي أَقُولُ‏:‏ حَدَّثَكُمُ الْفَرْبَرِيُّ، فَلَا تُنْكِرُ عَلَيَّ، مَعَ عِلْمِكَ بِأَنَّكَ إِنَّمَا سَمِعْتَهُ مِنْهُ قِرَاءَةً عَلَيْهِ‏؟‏‏!‏

قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ‏:‏ وَهَذَا مِنْ أَحْسَنِ؛ أَيْ‏:‏ أَبْلَغِ مَا يُحْكَى عَمَّنْ يَذْهَبُ هَذَا الْمَذْهَبَ‏.‏

‏(‏قُلْتُ‏:‏ وَذَا رَأْيُ الَّذِينَ اشْتَرَطُوا إِعَادَةَ الْإِسْنَادِ‏)‏ فِي كُلِّ حَدِيثٍ مِنَ الْكِتَابِ أَوِ النُّسْخَةِ مَعَ اتِّحَادِ السَّنَدِ، وَإِلَّا لَكَانَ يُكْتَفَى بِقَوْلِهِ‏:‏ أَخْبَرَكُمُ الْفَرْبَرِيُّ بِجَمِيعِ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ غَيْرِ إِعَادَةِ قِرَاءَةِ جَمِيعِ الْكِتَابِ، وَلَا تَكْرِيرِ الصِّيغَةِ فِي كُلِّ حَدِيثٍ ‏(‏وَهْوَ‏)‏ أَيِ‏:‏ اشْتِرَاطُ الْإِعَادَةِ ‏(‏شَطَطُ‏)‏ لِمُجَاوَزَتِهِ الْحَدَّ، وَالصَّحِيحُ الِاكْتِفَاءُ بِالْإِخْبَارِ أَوَّلًا أَوْ آخِرًا، كَمَا سَيَأْتِي فِي الرِّوَايَةِ مِنَ النُّسَخِ الَّتِي إِسْنَادُهَا وَاحِدٌ‏.‏

تَفْرِيعَاتٌ‏:‏ ‏[‏تتعلق بسماع لفظ الشيخ والقراءة على الشيخ‏]‏

398- وَاخْتَلَفُوا إِنْ أَمْسَكَ الْأَصْلَ رِضَا *** وَالشَّيْخُ لَا يَحْفَظُ مَا قَدْ عُرِضَا

399- فَبَعْضُ نُظَّارِ الْأُصُولِ يُبْطِلُهْ *** وَأَكْثَرُ الْمُحَدِّثِينَ يَقْبَلُهْ

400- وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ فَإِنْ لَمْ يُعْتَمَدْ *** مُمْسِكُهُ فَذَلِكَ السَّمَاعُ رَدْ

‏(‏تَفْرِيعَاتٌ‏)‏ ثَمَانِيَةٌ تَتَعَلَّقُ بِهَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ‏:‏

الْأَوَّلُ‏:‏ ‏(‏وَاخْتَلَفُوا‏)‏ أَيِ‏:‏ الْعُلَمَاءُ ‏(‏إِنْ أَمْسَكَ الْأَصْلَ‏)‏ مَعَ الْمُرَاعَاةِ لَهُ حِينَ الْقِرَاءَةِ عَلَى الشَّيْخِ ‏(‏رِضَى‏)‏ فِي الثِّقَةِ وَالضَّبْطِ لِذَلِكَ ‏(‏وَالشِّيْخُ‏)‏ حِينَئِذٍ ‏(‏لَا يَحْفَظُ مَا قَدْ عَرَضَا‏)‏ الطَّالِبُ عَلَيْهِ، وَلَا هُوَ مُمْسِكٌ أَصْلَهُ بِيَدِهِ، هَلْ يَصِحُّ السَّمَاعُ أَمْ لَا‏؟‏ ‏(‏فَبَعْضُ نُظَّارِ الْأُصُولِ‏)‏، وَهُوَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ، وَكَذَا الْمَازِرِيُّ فِي شَرْحِ الْبُرْهَانِ ‏(‏يُبْطِلُهْ‏)‏ أَيِ‏:‏ السَّمَاعَ‏.‏

وَحَكَى عِيَاضٌ أَنَّ الْقَاضِيَ أَبَا بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيَّ تَرَدَّدَ فِيهِ، قَالَ‏:‏ وَأَكْثَرُ مَيْلِهِ إِلَى الْمَنْعِ، بَلْ نَقَلَهُ الْحَاكِمُ عَنْ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُمَا لَا حُجَّةَ عِنْدَهُمَا، إِلَّا بِمَا رَوَاهُ الرَّاوِي مِنْ حِفْظِهِ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْأَصْلُ بِيَدِهِ، فَضْلًا عَنْ يَدِ ثِقَةٍ غَيْرِهِ، لَا يَكْفِي، كَمَا سَيَأْتِي فِي صِفَةِ رِوَايَةِ الْحَدِيثِ وَأَدَائِهِ‏.‏

‏(‏وَأَكْثَرُ الْمُحَدِّثِينَ يَقْبَلُهْ‏)‏، بَلْ هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ عَمَلُ كَافَّةِ الشُّيُوخِ وَأَهْلِ الْحَدِيثِ كَمَا حَكَاهُ عِيَاضٌ، وَنَقَلَ تَصْحِيحَهُ عَنْ بَعْضِهِمْ ‏(‏وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ‏)‏ ابْنُ الصَّلَاحِ، وَوَهَّنَ السِّلَفِيُّ الْخِلَافَ؛ لِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ عَلَى الْعَمَلِ بِهَذَا، وَذَكَرَ مَا حَاصِلُهُ أَنَّ الطَّالِبَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَقْرَأَ عَلَى شَيْخٍ شَيْئًا مِنْ سَمَاعِهِ هَلْ يَجِبُ أَنْ يُرِيَهُ سَمَاعَهُ فِي ذَلِكَ الْجُزْءِ أَمْ يَكْفِيَ إِعْلَامُ الطَّالِبِ الثِّقَةِ الشَّيْخَ أَنَّ هَذَا الْجُزْءَ سَمَاعُهُ عَلَى فُلَانٍ‏؟‏ وَقَالَ‏:‏ هُمَا سِيَّانِ، عَلَى هَذَا عَهِدْنَا عُلَمَاءَنَا عَنْ آخِرِهِمْ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَلَمْ يَزَلِ الْحُفَّاظُ قَدِيمًا وَحَدِيثًا يُخَرِّجُونَ لِلشُّيُوخِ مِنَ الْأُصُولِ، فَتَكُونُ تِلْكَ الْفُرُوعُ بَعْدَ الْمُقَابَلَةِ أُصُولًا، ‏[‏وَهَلْ كَانَتِ الْأُصُولُ‏]‏ أَوَّلًا إِلَّا فُرُوعًا‏؟‏‏!‏ انْتَهَى‏.‏

وَلِلَّهِ دَرُّ الْقَائِلِ‏:‏

قُلْ لِمَنْ لَا يَرَى الْمُعَاصِرَ شَيْئًا وَيَرَى لِلْأَوَائِلِ التَّقْدِيمَا

إِنَّ ذَاكَ الْقَدِيمَ كَانَ جَدِيدًا وَسَيَبْقَى هَذَا الْجَدِيدُ قَدِيمَا

وَإِذَا اكْتَفَى بِإِعْلَامِ الثِّقَةِ بِأَصْلِ الْمَرْوِيِّ، فَهُنَا كَذَلِكَ بَلْ أَوْلَى، وَلَوْ كَانَ الْقَارِئُ مَعَ كَوْنِهِ مَوْثُوقًا بِهِ دَيِّنًا وَمَعْرِفَةً يَقْرَأُ فِي نَفْسِ الْأَصْلِ صَحَّ أَيْضًا عَلَى الصَّحِيحِ، كَإِمْسَاكِ الشَّيْخِ نُسْخَتَهُ؛ إِذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الِاعْتِمَادِ عَلَى بَصَرِهِ أَوْ سَمَعِهِ؛ حَيْثُ يَكُونُ حَافِظًا، خِلَافًا لِبَعْضِ أَهْلِ التَّشْدِيدِ فِي الرِّوَايَةِ مِمَّنْ لَمْ يَعْتَبِرْ بِمَا حَدَّثَ بِهِ الشَّيْخُ مِنْ كِتَابِهِ، بَلْ هُوَ هُنَا أَوْلَى بِالصِّحَّةِ مِمَّا لَوْ كَانَ الْأَصْلُ بِيَدِ سَامِعٍ آخَرَ؛ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَضْبَطُ فِي اتِّبَاعِ مَا حَمَلَهُ الشَّيْخُ، وَالذُّهُولَ فِيهَا أَقَلُّ‏.‏ هَذَا كُلُّهُ إِنْ كَانَ الْمُمْسِكُ أَوِ الْقَارِئُ فِيهِ مُعْتَمَدًا رِضًى، وَكَانَ الشَّيْخُ غَيْرَ حَافِظٍ كَمَا تَقَدَّمَ‏.‏

‏(‏فَإِنْ لَمْ يُعْتَمَدْ‏)‏ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ ‏(‏مُمْسِكُهُ‏)‏، أَوِ الْقَارِئُ فِيهِ، وَلَا هُوَ مِمَّنْ يُوثَقُ بِهِ ‏(‏فَذَلِكَ السَّمَاعُ رَدْ‏)‏ أَيْ‏:‏ مَرْدُودٌ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ، وَلِذَا ضَعَّفَ أَئِمَّةُ الصَّنْعَةِ رِوَايَةَ مَنْ سَمِعَ الْمُوَطَّأَ عَلَى مَالِكٍ بِقِرَاءَةِ ابْنِ حَبِيبٍ كَاتِبِهِ؛ لِضَعْفِهِ عِنْدَهُمْ، بِحَيْثُ اتُّهِمَ بِتَصَفُّحِ الْأَوْرَاقِ وَمُجَاوَزَتِهَا بِدُونِ قِرَاءَةٍ، إِمَّا فِي أَثْنَاءِ قِرَاءَتِهِ، أَوْ بَعْدَ انْتِهَاءِ الْمَجْلِسِ حِينَ الْبَلَاغِ، قَصْدًا لِلْعَجَلَةِ‏.‏ وَهَذَا مَرْدُودٌ، فَمِثْلُ هَذَا لَا يَخْفَى عَلَى مَالِكٍ‏.‏

قَالَ عِيَاضٌ‏:‏ لَكِنَّ عَدَمَ الثِّقَةِ بِقِرَاءَةِ مِثْلِهِ، مَعَ جَوَازِ الْغَفْلَةِ وَالسَّهْوِ عَنِ الْحَرْفِ وَشَبَهِهِ وَمَا لَا يُخِلُّ بِالْمَعْنَى، مُؤَثِّرَةٌ فِي تَصْحِيحِ السَّمَاعِ كَمَا قَالُوهُ‏.‏ وَلِهَذِهِ الْعِلَّةِ لَمْ يُخَرِّجِ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ بُكَيْرٍ عَنْ مَالِكٍ إِلَّا قَلِيلًا، وَأَكْثَرُ مِنْهُ عَنِ اللَّيْثِ، قَالُوا‏:‏ لِأَنَّ سَمَاعَهُ كَانَ بِقِرَاءَةِ ابْنِ حَبِيبٍ- انْتَهَى‏.‏

وَإِنْ كَانَ الشَّيْخُ حَافِظًا فَهُوَ كَمَا لَوْ كَانَ أَصْلُهُ بِيَدِهِ، بَلْ أَوْلَى؛ لِتَعَاضُدِ ذِهْنَيْ شَخْصَيْنِ عَلَيْهِ‏.‏

401- وَاخْتَلَفُوا إِنْ سَكَتَ الشَّيْخُ وَلَمْ *** يُقِرَّ لَفْظًا فَرَآهُ الْمُعْظَمْ

402- وَهْوَ الصَّحِيحُ كَافِيًا وَقَدْ مَنَعْ *** بَعْضُ أُولِي الظَّاهِرِ مِنْهُ وَقَطَعْ

403- بِهِ أَبُو الْفَتْحِ سُلَيْمُ الرَّازِي *** ثُمَّ أَبُو إِسْحَاقٍ الشِّيرَازِي

404- كَذَا أَبُو نَصْرٍ وَقَالَ يُعْمَلُ *** بِهِ وَأَلْفَاظُ الْأَدَاءِ الْأُوَلُ

الثَّانِي‏:‏ ‏(‏وَاخْتَلَفُوا‏)‏ أَيِ‏:‏ الْعُلَمَاءُ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ وَغَيْرِهِمْ ‏(‏إِنْ سَكَتَ الشَّيْخُ‏)‏ الْمُتَيَقِّظُ الْعَارِفُ غَيْرُ الْمُكْرَهِ بَعْدَ قَوْلِ الطَّالِبِ لَهُ‏:‏ أَخْبَرَكَ فُلَانٌ، أَوْ قُلْتَ‏:‏ أَنَا فُلَانٌ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، مَعَ إِصْغَائِهِ إِلَيْهِ وَفَهْمِهِ لِمَا يَقُولُ عَنِ التَّعَرُّضِ لِإِنْكَارِ الْمَرْوِيِّ أَوْ شَيْءٍ مِنْهُ، وَلِإِنْكَارِ الْإِخْبَارِ‏.‏

‏(‏وَلَمْ يُقِرَّ لَفْظًا‏)‏ بِقَوْلِهِ‏:‏ نَعَمْ، وَمَا أَشْبَهَهُ، كَأَنْ يُومِئَ بِرَأْسِهِ أَوْ يُشِيرَ بِإِصْبَعِهِ، وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّ الْقَارِئِ أَنَّ سُكُوتَهُ إِجَابَةٌ ‏(‏فَرَآهُ الْمُعْظَمْ‏)‏ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَالْمُحَدِّثِينَ وَالنُّظَّارِ ‏(‏وَهْوَ الصَّحِيحُ كَافِيًا‏)‏ فِي صِحَّةِ السَّمَاعِ كَمَا حَكَاهُ عِيَاضٌ وَصَحَّحَهُ، وَقَالَ‏:‏ إِنَّ الشَّرْطَ غَيْرُ لَازِمٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْ ذِي دِينٍ إِقْرَارٌ عَلَى الْخَطَأِ فِي مِثْلِ هَذَا، فَلَا مَعْنَى لِلتَّقْرِيرِ بَعْدُ‏.‏

وَلَعَلَّ الْمَرْوِيَّ عَنْ مَالِكٍ؛ يَعْنِي كَمَا فِي صَحِيحٍ مُسْلِمٍ، وَعَنْ أَمْثَالِهِ فِي فِعْلِ ذَلِكَ لِلتَّأْكِيدِ لَا لِلُّزُومِ‏.‏

قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ‏:‏ وَسُكُوتُ الشَّيْخِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ نَازِلٌ مَنْزِلَةَ تَصْرِيحِهِ بِتَصْدِيقِ الْقَارِئِ اكْتِفَاءً بِالْقَرَائِنِ الظَّاهِرَةِ‏.‏

قُلْتُ‏:‏ وَأَيْضًا فَسُكُوتُهُ خُصُوصًا بَعْدَ قَوْلِهِ لَهُ‏:‏ هَلْ سَمِعْتَ، فِيمَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ، مُوهِمٌ لِلصِّحَّةِ، وَذَلِكَ بَعِيدٌ عَنِ الْعُدُولِ؛ لِمَا يَتَضَمَّنُ مِنَ الْغِشِّ وَعَدَمِ النُّصْحِ‏.‏

وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِمَّا اسْتُثْنِيَ مِنْ أَصْلِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ؛ حَيْثُ قَالَ‏:‏ ‏"‏ لَا يُنْسَبُ إِلَى سَاكِتٍ قَوْلٌ ‏"‏‏.‏ وَحِينَئِذٍ فَيُؤَدِّي بِأَلْفَاظِ الْعَرْضِ كُلِّهَا حَتَّى حَدَّثَنِي وَأَخْبَرَنِي، كَمَا حَكَى تَجْوِيزَهُ فِيهِمَا عَنِ الْفُقَهَاءِ وَالْمُحَدِّثِينَ الْآمِدِيُّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ، بَلْ حَكَى عَنِ الْحَاكِمِ أَنَّهُ مَذْهَبُ الْأَرْبَعَةِ‏.‏

وَمِنْ هُنَا قَالَ حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ‏:‏ إِذَا حَدَّثَنِي رَجُلٌ عَنْكَ بِحَدِيثٍ، يَعْنِي بِحَضْرَةِ الْمُحَدِّثِ عَنْهُ وَسُكُوتِهِ، ثُمَّ حَدَّثْتُ بِهِ عَنْكَ كُنْتُ صَادِقًا،

وَأَنْكَرَ مَالِكٌ عَلَى طَالِبٍ التَّصْرِيحَ مِنْهُ بِالْإِقْرَارِ، وَقَالَ‏:‏ أَلَمْ أُفَرِّغْ لَكُمْ نَفْسِي، وَسَمِعْتُ عَرْضَكُمْ، وَأَقَمْتُ سَقْطَهُ وَزَلَلَهُ‏.‏ وَبِهَذَا يَتَأَيَّدُ التَّأْوِيلُ الْمَاضِي فِيمَا نُقِلَ عَنْهُ مِنْ صَنِيعِهِ ‏(‏وَ‏)‏ لَكِنْ ‏(‏قَدْ مَنَعْ بَعْضُ أُولِي الظَّاهِرِ مِنْهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ مِنَ الِاكْتِفَاءِ بِسُكُوتِ الشَّيْخِ فِي الرِّوَايَةِ، فَاشْتَرَطُوا إِقْرَارَهُ بِذَلِكَ نُطْقًا، وَالْبَاقُونَ مِنَ الظَّاهِرِيَّةِ إِمَّا سَاكِتُونَ أَوْ مَعَ الْأَوَّلِينَ، بَلْ نَقَلَهُ الْخَطِيبُ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ أَيْضًا؛ فَإِنَّهُ قَالَ‏:‏ زَعَمَ بَعْضُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ وَقَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ أَنَّ مَنْ قَرَأَ عَلَى شَيْخٍ حَدِيثًا لَمْ تَجُزْ لَهُ رِوَايَتُهُ عَنْهُ إِلَّا بَعْدَ أَنْ يُقِرَّ الشَّيْخُ بِهِ- انْتَهَى‏.‏

وَكَذَا حَكَاهُ غَيْرُهُ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الْمَشَارِقَةِ‏.‏

وَقَالَ الْحَاكِمُ‏:‏ عَهِدْتُ مَشَايِخَنَا لَا يُصَحِّحُونَ سَمَاعَ مَنْ سَمِعَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مِهْرَانَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ الْحَافِظِ فِي الْمَرَضِ؛ فَإِنَّهُ كَانَ لَا يَقْدِرُ أَنْ يُحَرِّكَ لِسَانَهُ إِلَّا بِ ‏"‏ لَا ‏"‏، فَكَانَ إِذَا قِيلَ لَهُ‏:‏ كَمَا قَرَأْنَا عَلَيْكَ‏؟‏ قَالَ‏:‏ لَا لَا لَا، وَيُحَرِّكُ رَأْسَهُ بِ ‏"‏ نَعَمْ ‏"‏‏.‏

وَأَمَّا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدٍ فَحَدَّثَنِي أَنَّهُ كَانَ مَا يَقْدِرُ أَنْ يُحَرِّكَ رَأْسَهُ، وَقَالَ‏:‏ لَمْ يَصِحَّ لِي عَنْهُ سِوَى حَدِيثٍ وَاحِدٍ؛ فَإِنِّي قَرَأْتُهُ عَلَيْهِ غَيْرَ مَرَّةٍ، إِلَى أَنْ أَشَارَ بِعَيْنَيْهِ إِشَارَةً فَهِمْنَاهَا عَنْهُ أَنْ نَعَمْ‏.‏

‏(‏وَقَطَعْ بِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ بِالْمَنْعِ مُطْلَقًا مِنَ الشَّافِعِيَّةِ ‏(‏أَبُو الْفَتْحِ سُلَيْمُ الرَّازِي ثُمَّ‏)‏ الشَّيْخُ ‏(‏أَبُو إِسْحَاقٍ‏)‏ بِالصَّرْفِ لِلضَّرُورَةِ ‏(‏الشِّيرَازِي‏)‏، وَ‏(‏كَذَا أَبُو نَصْرٍ‏)‏ هُوَ ابْنُ الصَّبَّاغِ ‏(‏وَ‏)‏ لَكِنَّهُ ‏(‏قَالَ‏)‏‏:‏ إِنَّهُ ‏(‏يُعْمَلُ بِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ بِالْمَرْوِيِّ، سَوَاءٌ السَّامِعُ أَوِ الْقَارِئُ أَوْ مَنْ حَمَلَهُ عَنْهُ‏.‏

وَلَمْ يَمْنَعِ الرِّوَايَةَ مَعَ الْإِفْصَاحِ بِالْوَاقِعِ؛ حَيْثُ قَالَ مَا مَعْنَاهُ‏:‏ ‏(‏وَأَلْفَاظُ الْأَدَاءِ‏)‏ لِمَنْ سَمِعَ أَوْ قَرَأَ كَذَلِكَ، وَأَرْدَأُ رِوَايَتِهِ هِيَ الْأَلْفَاظُ ‏(‏الْأُوَلُ‏)‏، خَاصَّةً الْمُنْبِئَةَ عَنِ الْحَالِ الْوَاقِعِ، الْمُتَّفَقَ عَلَيْهَا، وَهِيَ‏:‏ قَرَأْتُ عَلَيْهِ، أَوْ قُرِئَ عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ، لَا جَمِيعَهَا فَلَا يَقُلْ‏:‏ حَدَّثَنِي، وَلَا أَخْبَرَنِي‏.‏ وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ الْغَزَّالِيُّ وَالْآمِدِيُّ، وَحَكَاهُ عَنِ الْمُتَكَلِّمِينَ، بَلْ جَزَمَ صَاحِبُ ‏(‏الْمَحْصُولِ‏)‏ بِأَنَّهُ لَا يَقُولُهُمَا، وَكَذَا سَمِعْتُ، لَوْ أَشَارَ بِرَأْسِهِ أَوْ إِصْبَعِهِ لِلْإِقْرَارِ بِهِ وَلَمْ يَتَلَفَّظْ‏.‏

قَالَ الشَّارِحُ‏:‏ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ يَعْنِي‏:‏ فَإِنَّ الْإِشَارَةَ قَائِمَةٌ مَقَامَ الْعِبَارَةِ فِي الْإِعْلَامِ بِذَلِكَ، فَتُجْرَى عَلَيْهَا الْأَحْكَامُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ‏.‏

وَبِالْجُمْلَةِ، فَتَصْرِيحُ الْمُحَدِّثِ بِالْإِقْرَارِ مُسْتَحَبٌّ؛ فَقَدْ قَالَ الْخَطِيبُ‏:‏ وَلَوْ قَالَ لَهُ الْقَارِئُ عِنْدَ الْفَرَاغِ‏:‏ كَمَا قَرَأْتُ عَلَيْكَ، فَأَقَرَّ بِهِ، كَانَ أَحَبَّ إِلَيْنَا‏.‏ انْتَهَى‏.‏

وَلَوْ كَانَ الِاعْتِمَادُ فِي سَمَاعِهِ عَلَى الْمُفِيدِ فَالْحُكْمُ فِيهِ فِيمَا يَظْهَرُ كَذَلِكَ‏.‏

405- وَالْحَاكِمُ اخْتَارَ الَّذِي قَدْ عَهِدَا *** عَلَيْهِ أَكْثَرَ الشُّيُوخِ فِي الْأَدَا

406- ‏"‏ حَدَّثَنِي ‏"‏ فِي اللَّفْظِ حَيْثُ انْفَرَدَا *** وَاجْمَعْ ضَمِيرَهُ إِذَا تَعَدَّدَا

407- وَالْعَرْضُ إِنْ تَسْمَعْ فَقُلْ ‏"‏ أَخْبَرَنَا ‏"‏ *** أَوْ قَارِئًا ‏"‏ أَخْبَرَنِي ‏"‏ وَاسْتُحْسِنَا

408- وَنَحْوُهُ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ رُوِيَا *** وَلَيْسَ بِالْوَاجِبِ لَكِنْ رُضِيَا

409- وَالشَّكُّ فِي الْأَخْذِ أَكَانَ وَحْدَهْ *** أَوْ مَعْ سِوَاهُ فَاعْتِبَارُ الْوَحْدَهْ

410- مُحْتَمَلٌ لَكِنْ رَأَى الْقَطَّانُ *** الْجَمْعَ فِيمَا أَوْهَمَ الْإِنْسَانُ

411- فِي شَيْخِهِ مَا قَالَ وَالْوَحْدَةَ قَدْ *** اخْتَارَ فِي ذَا الْبَيْهَقِيُّ وَاعْتَمَدْ

الثَّالِثُ‏:‏ فِي افْتِرَاقِ الْحَالِ فِي الصِّيغَةِ بَيْنَ الْمُنْفَرِدِ أَوْ مَنْ يَكُونُ فِي جَمَاعَةٍ ‏(‏وَالْحَاكِمُ اخْتَارَ‏)‏ الْأَمْرَ ‏(‏الَّذِي قَدْ عَهِدَا عَلَيْهِ أَكْثَرَ الشُّيُوخِ‏)‏ لَهُ، بَلْ وَأَئِمَّةِ عَصْرِهِ، ‏(‏فِي‏)‏ صِيَغِ ‏(‏الْأَدَا‏)‏، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ‏:‏ ‏(‏حَدَّثَنِي‏)‏ فُلَانٌ بِالْإِفْرَادِ ‏(‏فِي‏)‏ الَّذِي يَتَحَمَّلُهُ مِنْ شَيْخِهِ بِصَرِيحِ ‏(‏اللَّفْظِ حَيْثُ انْفَرَدَا‏)‏ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ وَقْتَ السَّمَاعِ غَيْرُهُ ‏(‏وَاجْمَعْ‏)‏ أَيُّهَا الطَّالِبُ ‏(‏ضَمِيرَهُ‏)‏ أَيِ‏:‏ التَّحْدِيثِ، فَقُلْ‏:‏ ثَنَا ‏(‏إِذَا تَعَدَّدَا‏)‏ بِأَنْ كَانَ مَعَكَ وَقْتَ السَّمَاعِ غَيْرُكَ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ كَذَا اخْتَارَ فِي الَّذِي تَتَحَمَّلُهُ عَنْ شَيْخِكَ فِي الْعَرْضِ أَنَّكَ ‏(‏إِنْ تَسْمَعْ‏)‏ بِقِرَاءَةِ غَيْرِكَ ‏(‏فَقُلْ‏:‏ أَخْبَرَنَا‏)‏ بِالْجَمْعِ، أَوْ إِنْ تَكُنْ ‏(‏قَارِئًا‏)‏ فَقُلْ‏:‏ ‏(‏أَخْبَرَنِي‏)‏ بِالْإِفْرَادِ ‏(‏وَاسْتُحْسِنَا‏)‏ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ مِنْ فَاعِلِهِ، فَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ‏:‏ وَهُوَ حَسَنٌ رَائِقٌ‏.‏

‏(‏وَنَحْوُهُ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ‏)‏، هُوَ عَبْدُ اللَّهِ ‏(‏رُوِيَا‏)‏ كَمَا عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ فِي الْعِلَلِ، وَالْخَطِيبِ فِي الْكِفَايَةِ؛ فَإِنَّهُ قَالَ‏:‏ مَا قُلْتُ‏:‏ ثَنَا، فَهُوَ مَا سَمِعْتُ مَعَ النَّاسِ، وَمَا قُلْتُ‏:‏ حَدَّثَنِي، فَهُوَ مَا سَمِعْتُ وَحْدِي، وَمَا قُلْتُ‏:‏ أَنَا، فَهُوَ مَا قُرِئَ عَلَى الْعَالِمِ وَأَنَا شَاهِدٌ، وَمَا قُلْتُ‏:‏ أَخْبَرَنِي، فَهُوَ مَا قَرَأْتُ عَلَى الْعَالِمِ‏.‏ فَاتَّفَقَ ابْنُ وَهْبٍ وَمَنْ نَقَلَ عَنْهُمُ الْحَاكِمُ فِي كَوْنِ الْقَارِئِ- كَمَا هُوَ الْمَشْهُورُ حَسْبَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّارِحُ فِي النُّكَتِ- يَقُولُ‏:‏ أَخْبَرَنِي، وَهُوَ مُحْتَمِلٌ لِأَنْ يَكُونَ فِي الْمُنْفَرِدِ، وَمُحْتَمِلٌ مُطْلَقًا، وَهُوَ الظَّاهِرُ‏.‏

لَكِنْ قَدْ قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي الِاقْتِرَاحِ‏:‏ إِنَّ الْقَارِئَ إِذَا كَانَ مَعَهُ غَيْرُهُ يَقُولُ‏:‏ أَنَا، بِالْجَمْعِ، فَسَوَّى بَيْنَ مَسْأَلَتَيِ التَّحْدِيثِ وَالْإِخْبَارِ، يَعْنِي‏:‏ فَإِنَّهُ إِذَا سَمِعَ جَمَاعَةٌ مِنْ لَفْظِ الشَّيْخِ يَقُولُ كُلٌّ مِنْهُمْ‏:‏ ثَنَا‏.‏

وَفِي التَّسْوِيَةِ نَظَرٌ، وَإِنْ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ‏:‏ إِنَّهُ قِيَاسٌ ظَاهِرٌ، عَلَى أَنَّ السِّلَفِيَّ قَدْ كَانَ يَأْتِي بِالْجَمْعِ فِيمَا يَقْرَؤُهُ وَلَمْ يَسْمَعْهُ مَعَهُ غَيْرُهُ، فَيَكْتُبُ أَوَّلَ الْجُزْءِ‏:‏ أَنَا فُلَانٌ بِقِرَاءَتِي، ثُمَّ يَكْتُبُ الطَّبَقَةَ بِآخِرِهِ، وَلَا يُثْبِتُ مَعَهُ غَيْرَهُ‏.‏ وَقَدْ جَاءَ عَنْ أَحْمَدَ‏:‏ إِذَا كُنْتَ وَحْدَكَ فَقُلْ‏:‏ حَدَّثَنِي، أَوْ فِي مَلَأٍ فَقُلْ‏:‏ ثَنَا، أَوْ قَرَأْتَ فَقُلْ‏:‏ قَرَأْتُ عَلَيْهِ، أَوْ سَمِعْتَ فَقُلْ‏:‏ قُرِئَ عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ‏.‏ وَاسْتَحْسَنَهُ ابْنُ الْحَاجِّ، وَقَالَ‏:‏ إِنَّهُ أَبْلَغُ فِي التَّحَرِّي‏.‏

وَقَالَ ابْنُ عَوْنٍ‏:‏ كَانَ ابْنُ سِيرِينَ يَقُولُ تَارَةً‏:‏ حَدَّثَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ، وَتَارَةً‏:‏ ثَنَا، فَقُلْتُ لَهُ‏:‏ كَيْفَ هَذَا يَا أَبَا بَكْرٍ‏؟‏ قَالَ‏:‏ أَكُونُ وَحْدِي فَأَقُولُ‏:‏ حَدَّثَنِي، وَأَكُونُ مَعَ غَيْرِي فَأَقُولُ‏:‏ ثَنَا‏.‏ أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ‏.‏

وَقَالَ شُعْبَةُ‏:‏ أَخْبَرَنِي سَلَمَةُ بْنُ كُهَيْلٍ، أَوْ أَخْبَرَ الْقَوْمَ وَأَنَا فِيهِمْ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ سُوَيْدَ بْنَ غَفَلَةَ قَالَ‏:‏ خَرَجْتُ مَعَ زَيْدِ بْنِ صُوحَانَ وَسَلْمَانَ بْنِ رَبِيعَةَ فَوَجَدْتُ سَوْطًا، وَذَكَرَ حَدِيثًا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي اللُّقَطَةِ مِنْ صَحِيحِهِ‏.‏ ‏(‏وَلَيْسَ‏)‏ مَا تَقَدَّمَ مِنَ التَّفْصِيلِ ‏(‏بِالْوَاجِبِ‏)‏ عِنْدَهُمْ، وَ‏(‏لَكِنْ رُضِيَا‏)‏ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ؛ أَيِ‏:‏ اسْتُحِبَّ عِنْدَ كَافَّةِ الْعُلَمَاءِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْخَطِيبُ؛ لِلتَّمْيِيزِ بَيْنَ أَحْوَالِ التَّحَمُّلِ‏.‏

وَإِلَّا فَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، وَسُئِلَ عَنِ الرَّجُلِ يُحَدِّثُ الرَّجُلَ وَحْدَهُ‏:‏ أَيَقُولُ‏:‏ ثَنَا‏؟‏ قَالَ‏:‏ نَعَمْ، جَائِزٌ هَذَا فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، ‏"‏ فَعَلْنَا ‏"‏ وَإِنَّمَا هُوَ وَحْدَهُ‏.‏

وَكَذَا قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ‏:‏ اصْطَلَحُوا لِلْمُنْفَرِدِ‏:‏ حَدَّثَنِي بِالْإِفْرَادِ، وَإِنْ جَازَ فِيهِ لُغَةً‏:‏ ‏"‏ ثَنَا ‏"‏ بِالْجَمْعِ‏.‏

وَكَذَا قَالَ أَحْمَدُ‏:‏ لَا بَأْسَ بِهِ، وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ‏:‏ إِذَا كَانَ أَصْلُ الْحَدِيثِ عَلَى السَّمَاعِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَقُولَ‏:‏ حَدَّثَنِي وَثَنَا وَسَمِعْتُ وَأَخْبَرَنِي وَأَنَا، فِي آخَرِينَ مُصَرِّحِينَ بِأَنَّهُ جَائِزٌ لِمَنْ سَمِعَ وَحْدَهُ أَنْ يَقُولَ‏:‏ نَا وَثَنَا، وَلِمَنْ سَمِعَ مَعَ غَيْرِهِ أَنْ يَقُولَ‏:‏ أَخْبَرَنِي وَحَدَّثَنِي وَنَحْوَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُحَدِّثَ حَدَّثَهُ وَحَدَّثَ غَيْرَهُ‏.‏

عَلَى أَنَّ نِسْبَةَ الْخَطِيبِ مَا تَقَدَّمَ لِكَافَّةِ الْعُلَمَاءِ وَهُمُ الْجَمِيعُ، يُنَازِعُ فِيهَا مَا ذَكَرَهُ ابْنُ فَارِسٍ مِنْ أَنَّ جَمَاعَةً ذَهَبُوا إِلَى أَنَّهُ إِذَا حَدَّثَ الْمُحَدِّثُ جَازَ أَنْ يُقَالَ‏:‏ ثَنَا، وَإِنْ قُرِئَ عَلَيْهِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَالَ‏:‏ ثَنَا وَلَا أَنَا، وَإِنْ حَدَّثَ جَمَاعَةً لَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي، أَوْ حَدَّثَ بِلَفْظٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَتَعَدَّاهُ، وَقَالَ‏:‏ إِنَّهُ تَشْدِيدٌ لَا وَجْهَ لَهُ، وَكَأَنَّهُ لِذَلِكَ لَمْ يَعْتَبِرْهُ الْخَطِيبُ خِلَافًا‏.‏

ثُمَّ إِنَّ الِاسْتِحْبَابَ الْمُشَارَ إِلَيْهِ هُوَ فِيمَا إِذَا تَحَقَّقَ حِينَ التَّحَمُّلِ صُورَةُ الْحَالِ ‏(‏وَ‏)‏ أَمَّا إِنْ وَقَعَ ‏(‏الشَّكُّ فِي الْأَخْذِ‏)‏ وَالتَّحَمُّلِ؛ أَيْ‏:‏ مِنْ لَفْظِ الشَّيْخِ ‏(‏أَكَانَ وَحْدَهْ‏)‏، فَيَأْتِي بِحَدَّثَنِي بِالْإِفْرَادِ ‏(‏أَوْ‏)‏ كَانَ ‏(‏مَعْ‏)‏ بِالْإِسْكَانِ ‏(‏سِوَاهُ‏)‏، فَيَأْتِي بِالْجَمْعِ ‏(‏فَاعْتِبَارُ الْوَحْدَهْ مُحْتَمَلٌ‏)‏ أَيِ‏:‏ الْقَوْلُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ غَيْرِهِ، وَكَذَا لَوْ شَكَّ فِي تَحَمُّلِهِ أَهُوَ مِنْ قَبِيلِ ‏"‏ أَنَا ‏"‏؛ لِكَوْنِهِ بِقِرَاءَةِ غَيْرِهِ، أَوْ أَخْبَرَنِي؛ لِكَوْنِهِ بِقِرَاءَتِهِ؛ حَيْثُ مَشَيْنَا عَلَى اخْتِيَارِ الْحَاكِمِ وَمَنْ مَعَهُ فِي إِفْرَادِ الضَّمِيرِ‏:‏ إِذَا قَرَأَ يَأْتِي بِالْجَمْعِ؛ لِأَنَّ سَمَاعَ نَفْسِهِ مُتَحَقِّقٌ، وَقِرَاءَتَهُ شَاكٌّ فِيهَا، وَالْأَصْلُ أَنَّهُ لَمْ يَقْرَأْ، وَإِنْ سَوَّى ابْنُ الصَّلَاحِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ فِي الْإِتْيَانِ بِالْإِفْرَادِ‏.‏

عَلَى أَنَّ الْخَطِيبَ حَكَى فِي الْكِفَايَةِ عَنِ الْبَرْقَانِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ‏:‏ قَرَأْنَا، وَهُوَ- كَمَا قَالَ الشَّارِحُ- حَسَنٌ؛ فَإِنَّ إِفْرَادَ الضَّمِيرِ يَقْتَضِي قِرَاءَتَهُ بِنَفْسِهِ، وَجَمْعَهُ يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى قِرَاءَةِ بَعْضِ مَنْ حَضَرَ السَّمَاعَ؛ فَإِنَّهُ لَوْ تَحَقَّقَ أَنَّ الَّذِي قَرَأَ غَيْرُهُ لَا بَأْسَ بِهِ أَنْ يَقُولَ‏:‏ قَرَأْنَا، قَالَهُ أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ حِينَ سُئِلَ عَنْهُ‏.‏

وَقَالَ النُّفَيْلِيُّ‏:‏ قَرَأْنَا عَلَى مَالِكٍ، مَعَ كَوْنِهِ إِنَّمَا قُرِئَ عَلَيْهِ وَهُوَ يَسْمَعُ ‏(‏لَكِنْ رَأَى‏)‏ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ ‏(‏الْقَطَّانُ‏)‏ فِيمَا نَقَلَهُ عَنْهُ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ ‏(‏الْجَمْعَ‏)‏ بِحَدَّثَنَا فِي مَسْأَلَةٍ تُشْبِهُ الْأُولَى، وَهِيَ ‏(‏فِيمَا‏)‏ إِذَا ‏(‏أَوْهَمَ‏)‏ أَيْ‏:‏ وَهِمَ بِمَعْنَى شَكَّ ‏(‏الْإِنْسَانُ فِي‏)‏ لَفْظِ ‏(‏شَيْخِهِ مَا‏)‏ الَّذِي ‏(‏قَالَ‏)‏‏:‏ حَدَّثَنِي أَوْ حَدَّثَنَا‏.‏

قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ‏:‏ وَمُقْتَضَاهُ الْجَمْعُ هُنَاكَ أَيْضًا، وَهُوَ عِنْدِي هُنَا يَتَوَجَّهُ بِأَنَّ حَدَّثَنِي أَكْمَلُ مَرْتَبَةً، فَيُقْتَصَرُ فِي حَالَةِ الشَّكِّ عَلَى النَّاقِصِ احْتِيَاطًا؛ لِأَنَّ عَدَمَ الزَّائِدِ هُوَ الْأَصْلُ، قَالَ‏:‏ وَهَذَا لَطِيفٌ ‏(‏وَالْوَحْدَةَ‏)‏ مَفْعُولٌ مُقَدَّمٌ؛ أَيْ‏:‏ صِيغَةُ حَدَّثَنِي ‏(‏قَدِ اخْتَارَ فِي ذَا‏)‏ الْفَرْعِ ‏(‏الْبَيْهَقِيُّ‏)‏ بَعْدَ حِكَايَتِهِ قَوْلَ الْقَطَّانِ ‏(‏وَاعْتَمَدْ‏)‏ مَا اخْتَارَهُ، وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ لَا يُشَكُّ فِي وَاحِدٍ، وَإِنَّمَا الشَّكُّ فِي الزَّائِدِ، فَيُطْرَحُ الشَّكُّ وَيُبْنَى عَلَى الْيَقِينِ‏.‏ انْتَهَى، وَهُوَ الظَّاهِرُ‏.‏

412- وَقَالَ أَحْمَدُ اتَّبِعْ لَفْظًا وَرَدْ *** لِلشَّيْخِ فِي أَدَائِهِ وَلَا تَعَدْ

413- وَمَنَعَ الْإِبْدَالَ فِيمَا صُنِّفَا *** الشَّيْخُ لَكِنْ حَيْثُ رَاوٍ عُرِفَا

414- بِأَنَّهُ سَوَّى فَفِيهِ مَا جَرَى *** فِي النَّقْلِ بِالْمَعْنَى وَمَعْ ذَا فَيَرَى

415- بِأَنَّ ذَا فِيمَا رَوَى ذُو الطَّلَبِ *** بِاللَّفْظِ لَا مَا وَضَعُوا فِي الْكُتُبِ

الرَّابِعُ‏:‏ فِي التَّقَيُّدِ بِلَفْظِ الشَّيْخِ ‏(‏وَقَالَ‏)‏ الْإِمَامُ ‏(‏أَحْمَدُ‏)‏ بْنُ حَنْبَلٍ فِيمَا رُوِّينَاهُ عَنْهُ‏:‏ ‏(‏اتَّبِعْ‏)‏ أَيُّهَا الْمُحَدِّثُ ‏(‏لَفْظًا وَرَدْ لِلشَّيْخِ فِي أَدَائِهِ‏)‏ لَكَ مِنْ‏:‏ حَدَّثَنَا، وَحَدَّثَنِي، وَسَمِعْتُ، وَأَنَا، وَنَحْوِهَا ‏(‏وَلَا تَعَدْ‏)‏ أَيْ‏:‏ وَلَا تَتَجَاوَزْ لَفْظَهُ وَتُبَدِّلْهُ بِغَيْرِهِ، وَمَشَى عَلَى ذَلِكَ فِي مُسْنَدِهِ وَغَيْرِهِ مِنْ تَصَانِيفِهِ، فَيَقُولُ مَثَلًا‏:‏ ثَنَا فُلَانٌ وَفُلَانٌ، كِلَاهُمَا عَنْ فُلَانٍ، قَالَ أَوَّلُهُمَا‏:‏ ثَنَا، وَقَالَ ثَانِيهُمَا‏:‏ أَنَا‏.‏ وَفَعَلَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ أَيْضًا‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ كَذَا ‏(‏مَنَعَ الْإِبْدَالَ‏)‏ بِحَدَّثَنَا إِذَا كَانَ اللَّفْظُ أَنَا، أَوْ بِالْعَكْسِ، وَنَحْوَهُ ‏(‏فِيمَا‏)‏ يَقَعُ فِي الْكُتُبِ الْمُبَوَّبَةِ وَالْمُسْنَدَةِ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا ‏(‏صُنِّفَا‏)‏ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ ‏(‏الشَّيْخُ‏)‏ ابْنُ الصَّلَاحِ؛ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مَذْهَبُ الرَّاوِي الْقَائِلِ عَدَمَ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الصِّيغَتَيْنِ، يَعْنِي‏:‏ فَيَكُونُ حِينَئِذٍ كَأَنَّهُ قَوَّلَهُ مَا لَمْ يَقُلْ‏.‏ وَالتَّعْلِيلُ بِذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّهُ عِنْدَ عِلْمِ عَدَمِهَا مِنْ بَابِ أَوْلَى، وَهَذَا بِلَا خِلَافٍ‏.‏

‏(‏لَكِنْ‏)‏ بِإِسْكَانِ النُّونِ ‏(‏حَيْثُ رَاوٍ عُرِفَا‏)‏ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ ‏(‏بِأَنَّهُ سَوَّى‏)‏ بَيْنَهُمَا ‏(‏فَ‏)‏ هَذَا خَاصَّةً يَجْرِي ‏(‏فِيهِ‏)‏ كَمَا قَالَ الْخَطِيبُ فِي كِفَايَتِهِ ‏(‏مَا جَرَى‏)‏ مِنَ الْخِلَافِ ‏(‏فِي النَّقْلِ بِالْمَعْنَى وَمَعْ‏)‏ بِالْإِسْكَانِ ‏(‏ذَا‏)‏ أَيْ‏:‏ إِجْرَاءِ الْخِلَافِ ‏(‏فَيَرَى‏)‏ ابْنُ الصَّلَاحِ ‏(‏بِأَنَّ ذَا‏)‏ أَيِ‏:‏ الْخِلَافَ ‏(‏فِيمَا رَوَى ذُو الطَّلَبِ‏)‏ مِمَّا تَحَمَّلَهُ ‏(‏بِاللَّفْظِ‏)‏ مِنْ شَيْخِهِ خَاصَّةً ‏(‏لَا‏)‏ فِي‏(‏مَا وَضَعُوا‏)‏ أَيْ‏:‏ أَصْحَابُ التَّصَانِيفِ ‏(‏فِي الْكُتُبِ‏)‏ الْمُصَنَّفَةِ مُسْنَدِهَا وَمُبَوَّبِهَا، يَعْنِي‏:‏ فَذَاكَ يَمْتَنِعُ تَغْيِيرُهُ جَزْمًا، سَوَاءٌ رُوِّينَاهُ فِي جُمْلَةِ التَّصَانِيفِ، أَوْ نَقَلْنَاهُ مِنْهَا إِلَى تَخَارِيجِنَا وَأَجْزَائِنَا كَمَا سَيَأْتِي فِي الرِّوَايَةِ بِالْمَعْنَى إِنْ شَاءَ اللَّهُ، مَعَ بَيَانِ مَا نُسِبَ لِابْنِ الصَّلَاحِ فِي اقْتِضَاءِ التَّجْوِيزِ فِيمَا نَنْقُلُهُ فِي تَخَارِيجِنَا، وَمَا قِيلَ فِي أَنَّهُ نُقِلَ مِنَ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ بِالْمَعْنَى‏.‏

عَلَى أَنَّ ابْنَ أَبِي الدَّمِ قَدْ مَنَعَ الْفَرْقَ فِي الصُّورَتَيْنِ بَيْنَ مَا يَقَعُ فِي التَّصَانِيفِ، وَمَا حَصَلَ التَّلَفُّظُ بِهِ خَارِجَهَا أَيْضًا، بَلْ قَالَ أَيْضًا فِي الثَّالِثَةِ‏:‏ إِنَّهُ إِذَا جَازَتِ الرِّوَايَةُ بِالْمَعْنَى فِي الْأَلْفَاظِ النَّبَوِيَّةِ فَفِي صِيَغِ الرِّوَايَةِ فِي صُورَةِ عِلْمِ تَسْوِيَةِ الرَّاوِي بَيْنَهُمَا مِنْ بَابِ أَوْلَى‏.‏

416- وَاخْتَلَفُوا فِي صِحَّةِ السَّمَاعِ *** مِنْ نَاسِخٍ فَقَالَ بِامْتِنَاعِ

417- الْإِسْفَرَايِينِيُّ مَعَ الْحَرْبِيِّ *** وَابْنِ عَدِيٍّ وَعَنِ الصِّبْغِيِّ

418- لَا تَرْوِ تَحْدِيثًا وَإِخْبَارًا قُلِ *** حَضَرْتُ وَالرَّازِيُّ وَهْوَ الْحَنْظَلِي

419- وَابْنُ الْمُبَارَكِ كِلَاهُمَا كَتَبْ *** وَجَوَّزَ الْحَمَّالُ وَالشَّيْخُ ذَهَبْ

420- بِأَنَّ خَيْرًا مِنْهُ أَنْ يُفَصِّلَا *** فَحَيْثُ فَهْمٍ صَحَّ أَوْ لَا بَطَلَا

421- كَمَا جَرَى لِلدَّارَقُطْنِيِّ حَيْثُ عَدْ *** إِمْلَاءَ إِسْمَاعِيلَ عَدًّا وَسَرَدْ

422- وَذَاكَ يَجْرِي فِي الْكَلَامِ أَوْ إِذَا *** هَيْنَمَ حَتَّى خَفِيَ الْبَعْضُ كَذَا

423- إِنْ بَعُدَ السَّامِعُ ثُمَّ يُحْتَمَلْ *** فِي الظَّاهِرِ الْكِلْمَتَانِ أَوْ أَقَلْ

الْخَامِسُ‏:‏ فِي النَّسْخِ وَالْكَلِمِ وَغَيْرِهِمَا وَقْتَ السَّمَاعِ أَوِ الْإِسْمَاعِ ‏(‏وَاخْتَلَفُوا‏)‏ أَيِ‏:‏ الْعُلَمَاءُ ‏(‏فِي صِحَّةِ السَّمَاعِ مِنْ نَاسِخٍ‏)‏ يَنْسَخُ حِينَ الْقِرَاءَةِ، مُسْمِعًا كَانَ أَوْ سَامِعًا ‏(‏فَقَالَ بِامْتِنَاعِ‏)‏ ذَلِكَ مُطْلَقًا فِي الصُّورَتَيْنِ الْأُسْتَاذُ الْفَقِيهُ الْأُصُولِيُّ أَبُو إِسْحَاقَ ‏(‏الْإِسْفَرَايِينِيُّ‏)‏، بِفَتْحِ الْفَاءِ وَكَسْرِ التَّحْتَانِيَّةِ، إِذْ سُئِلَ عَنْهُمَا مَعًا ‏(‏مَعَ‏)‏ أَبِي إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْحَاقَ ‏(‏الْحَرْبِيِّ وَ‏)‏ أَبِي أَحْمَدَ ‏(‏بْنِ عَدِيٍّ‏)‏ فِي آخَرِينَ؛ لِأَنَّ الِاشْتِغَالَ بِالنَّسْخِ مُخِلٌّ بِالسَّمَاعِ‏.‏ وَعِبَارَةُ الْإِسْفَرَايِينِيِّ‏:‏ فَإِنَّهُ إِذَا يَشْتَغِلُ بِهِ عَنِ الِاسْتِمَاعِ، حَتَّى إِذَا اسْتُعِيدَ مِنْهُ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ- انْتَهَى‏.‏

وَقَدْ قِيلَ السَّمْعُ لِلْعَيْنِ، وَالْإِصْغَاءُ لِلْأُذُنِ، وَقِيلَ‏:‏ إِنَّهُ لَا يُسَمَّى سَامِعًا، إِنَّمَا يُقَالُ لَهُ‏:‏ جَلِيسُ الْعَالِمِ‏.‏ حُكِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ ‏(‏وَ‏)‏ نَحْوُهُ مَا جَاءَ ‏(‏عَنْ‏)‏ أَحَدِ أَئِمَّةِ الشَّافِعِيَّةِ بِخُرَاسَانَ أَبِي بَكْرٍ أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ ‏(‏الصِّبْغِيِّ‏)‏ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ ثُمَّ مُعْجَمَةٌ نِسْبَةً لِأَبِيهِ؛ لِكَوْنِهِ كَانَ يَبِيعُ الصِّبْغَ، إِنَّهُ قَالَ‏:‏ ‏(‏لَا تَرْوِ‏)‏ أَيُّهَا الْمُحَدِّثُ مَا سَمِعْتَهُ عَلَى شَيْخِكَ فِي حَالِ نَسْخِهِ، أَوْ أَنْتَ تَنْسَخُ ‏(‏تَحْدِيثًا وَ‏)‏ لَا ‏(‏إِخْبَارًا‏)‏ يَعْنِي‏:‏ لَا تَقُلْ‏:‏ ثَنَا وَلَا أَنَا مَعَ إِطْلَاقِهِمَا، بَلْ ‏(‏قُلْ حَضَرْتُ‏)‏، يَعْنِي‏:‏ كَمَنْ أَدَّى مَا تَحَمَّلَهُ وَهُوَ صَغِيرٌ قَبْلَ فَهْمِ الْخِطَابِ وَرَدِّ الْجَوَابِ، وَإِنْ كَانَ فِي مَسْأَلَتِنَا أَعْلَى‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ لَكِنْ أَبُو حَاتِمٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ ‏(‏الرَّازِيُّ وَهْوَ الْحَنْظَلِيُّ‏)‏ نِسْبَةً لِدَرْبِ حَنْظَلَةَ بِالرَّيِّ، وَكَفَى بِهِ حِفْظًا وَإِتِقْانًا ‏(‏وَابْنُ الْمُبَارَكِ‏)‏ عَبْدُ اللَّهِ الْمَرْوَزِيُّ، وَكَفَى بِهِ دِينًا وَنُسُكًا وَفَضْلًا ‏(‏كِلَاهُمَا‏)‏ قَدْ ‏(‏كَتَبْ‏)‏‏.‏ أَمَّا أَوَّلُهُمَا فَفِي حَالِ تَحَمُّلِهِ عِنْدَ كُلِّ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ الْمُلَقَّبِ عَارِمٍ وَعُمَرَ بْنِ مَرْزُوقٍ‏.‏

وَأَمَّا ثَانِيهُمَا، فَفِي حَالِ تَحْدِيثِهِ، وَذَلِكَ مِنْهُمَا مُقْتَضٍ لِلْجَوَازِ، وَمُشْعِرٌ بِعَدَمِ التَّنْصِيصِ فِي الْأَدَاءِ عَلَى الْحُضُورِ ‏(‏وَ‏)‏ كَذَا ‏(‏جَوَّزَ‏)‏ مُوسَى بْنُ هَارُونَ ‏(‏الْحَمَّالُ‏)‏ بِالْمُهْمَلَةِ ذَلِكَ، بَلْ عَزَى صِحَّةَ السَّمَاعِ كَذَلِكَ لِلْجُمْهُورِ سَعْدُ الْخَيْرِ الْأَنْصَارِيُّ‏.‏

‏(‏وَالشَّيْخُ‏)‏ ابْنُ الصَّلَاحِ ‏(‏ذَهَبْ‏)‏ إِلَى الْقَوْلِ ‏(‏بِأَنَّ خَيْرًا مِنْهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ مِنْ إِطْلَاقِ الْقَوْلِ بِالْجَوَازِ أَوْ بِالْمَنْعِ ‏(‏أَنْ يُفَصِّلَا فَحَيْثُ‏)‏ صَحِبَ الْكِتَابَةَ ‏(‏فَهْمٌ‏)‏ يَعْنِي‏:‏ تَمْيِيزُ اللَّفْظِ الْمَقْرُوءِ فَضْلًا عَنْ مَعْنَاهُ ‏(‏صَحَّ‏)‏ السَّمَاعُ مِنْهُ وَعَلَيْهِ ‏(‏أَوْ لَا‏)‏ يَصْحَبُهَا ذَلِكَ، وَصَارَ كَأَنَّهُ صَوْتُ غَفْلٍ ‏(‏بَطَلَا‏)‏ هَذَا السَّمَاعُ؛ يَعْنِي‏:‏ وَصَارَ حُضُورًا‏.‏

وَسَبَقَهُ لِذَلِكَ سَعْدُ الْخَيْرِ الْأَنْصَارِيُّ، فَقَالَ‏:‏ إِذَا لَمْ تَمْنَعِ الْكِتَابَةُ عَنْ فَهْمِ مَا قُرِئَ، فَالسَّمَاعُ صَحِيحٌ- انْتَهَى‏.‏

وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا، فَقَدْ كَانَ شَيْخُنَا يَنْسَخُ فِي مَجْلِسِ سَمَاعِهِ ثُمَّ إِسْمَاعِهِ، بَلْ وَيَكْتُبُ عَلَى الْفَتَاوَى وَيُصَنِّفُ، وَيَرُدُّ مَعَ ذَلِكَ عَلَى الْقَارِئِ رَدًّا مُفِيدًا‏.‏

وَكَذَا بَلَغَنَا عَنِ الْحَافِظِ الْمِزِّيِّ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ ‏(‏كَمَا جَرَى لِلدَّارَقُطْنِيِّ‏)‏، نِسْبَةً لِدَارِ الْقُطْنِ بِبَغْدَادَ؛ إِذْ حَضَرَ فِي حَدَاثَتِهِ إِمْلَاءَ أَبِي عَلِيٍّ إِسْمَاعِيلَ الصَّفَّارِ، فَرَآهُ بَعْضُ الْحَاضِرِينَ يَنْسَخُ، فَقَالَ لَهُ‏:‏ لَا يَصِحُّ سَمَاعُكَ وَأَنْتَ تَنْسَخُ، فَقَالَ لَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ‏:‏ فَهْمِي لِلْإِمْلَاءِ خِلَافُ فَهْمِكَ، وَاسْتَظْهَرَ عَلَيْهِ ‏(‏حَيْثُ عَدَّ إِمْلَاءً إِسْمَاعِيلَ‏)‏ الْمُشَارَ إِلَيْهِ ‏(‏عَدًّا‏)‏، وَإِنَّ جُمْلَةَ مَا أَمْلَاهُ فِي ذَاكَ الْمَجْلِسِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ حَدِيثًا بَعْدَ أَنْ سَأَلَ الْمُنْكِرَ عَلَيْهِ‏:‏ أَتَعْلَمُ كَمْ أَمْلَى حَدِيثًا‏؟‏ فَقَالَ لَهُ‏:‏ لَا، ثُمَّ لَمْ يَكْتَفِ الدَّارَقُطْنِيُّ بَعْدَهَا إِجْمَالًا بَلْ سَاقَهَا عَلَى الْوَلَاءِ إِسْنَادًا وَمَتْنًا ‏(‏وَسَرَدْ‏)‏ ذَلِكَ أَحْسَنَ سَرْدٍ، فَعَجِبَ النَّاسُ مِنْهُ‏.‏ رَوَاهَا الْخَطِيبُ فِي تَأْرِيخِهِ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْأَزْهَرِيُّ قَالَ‏:‏ بَلَغَنِي أَنَّ الدَّارَقُطْنِيَّ، فَذَكَرَ مَعْنَاهَا‏.‏

وَقَدْ سَمِعْتُ شَيْخَنَا يَحْكِي عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ كَانَ يَقْرِنُهَا بِمَا وَقَعَ لِلْبُخَارِيِّ؛ حَيْثُ قُلِبَتْ عَلَيْهِ الْأَحَادِيثُ، وَبِتَعَجُّبِ شَيْخِنَا مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي التَّعَجُّبِ، ثُمَّ إِنَّ هَذَا كُلَّهُ فِيمَا إِذَا وَقَعَ النَّسْخُ حَالَ التَّحَمُّلِ أَوِ الْأَدَاءِ، فَلَوْ وَقَعَ ذَلِكَ فِيهِمَا مَعًا كَانَ أَشَدَّ، وَوَرَاءَ هَذَا قَوْلُ بَعْضِهِمْ‏:‏ الْخِلَافُ فِي الْمَسْأَلَةِ لَفْظِيٌّ؛ فَإِنَّ الْمَرْءَ لَوْ بَلَغَ الْغَايَةَ مِنَ الْحِذْقِ وَالْفَهْمِ لَابُدَّ أَنْ يَخْفَى عَلَيْهِ بَعْضُ الْمَسْمُوعِ، وَإِنَّمَا الْعِبْرَةُ بِالْأَكْثَرِ، فَمَنْ لَاحَظَ الِاحْتِيَاطَ قَالَ‏:‏ لَيْسَ بِسَامِعٍ، وَمَنْ لَاحَظَ التَّسَامُحَ وَالْغَلَبَةَ عَدَّهُ سَامِعًا، وَرَأَى أَنَّ النَّسْخَ إِنْ حَجَبَ فَهُوَ حِجَابٌ رَقِيقٌ- انْتَهَى‏.‏ ‏[‏وَفِي تَسْمِيَتِهِ لَفْظِيًّا مَعَ ذَلِكَ تَوَقُّفٌ‏]‏‏.‏

وَمَا قِيلَ فِي أَنَّ السَّمْعَ لِلْعَيْنِ قَدْ يَخْدِشُهُ مَا رُوِّينَاهُ فِي خَامِسِ الْمُحَامِلِيَّاتِ رِوَايَةَ ابْنِ مَهْدِيٍّ مِنْ حَدِيثِ كُلْثُومٍ الْخُزَاعِيِّ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، أَنَّهَا كَانَتْ تُفَلِّي رَأْسَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَاءَتْ زَيْنَبُ فَرَفَعَتْ طَرْفَهَا إِلَيْهَا، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ «أَقْبِلِي عَلَى فَلَّايَتِكِ؛ فَإِنَّكِ لَا تُكَلِّمِينَهَا بِعَيْنِكِ»‏.‏

وَيَلْتَحِقُ بِالنَّسْخِ الصَّلَاةُ، وَقَدْ كَانَ الدَّارَقُطْنِيُّ يُصَلِّي فِي حَالِ قِرَاءَةِ الْقَارِئِ عَلَيْهِ، وَرُبَّمَا يُشِيرُ بِرَدِّ مَا يُخْطِئُ فِيهِ الْقَارِئُ، كَمَا اتُّفِقَ لَهُ حَيْثُ قَرَأَ الْقَارِئُ عَلَيْهِ مَرَّةً‏:‏ يُسَيْرُ بْنُ ذُعْلُوقٍ، بِالْيَاءِ التَّحْتَانِيَّةِ، فَقَالَ لَهُ‏:‏ ن وَالْقَلَمِ، ‏[‏وَمَرَّةً‏:‏ عَمْرُو بْنُ سَعِيدٍ‏]‏، فَقَالَ لَهُ‏:‏ يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ ‏[‏هُودٍ‏:‏ 87‏]‏‏.‏

وَقَدْ قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي أَمَالِيهِ‏:‏ كَانَ شَيْخُنَا أَبُو الْحَسَنِ الطَّالَقَانِيُّ رُبَّمَا قُرِئَ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ وَهُوَ يُصَلِّي، وَيُصْغِي إِلَى مَا يَقُولُ الْقَارِئُ، وَيُنَبِّهُهُ إِذَا زَلَّ، يَعْنِي بِالْإِشَارَةِ‏.‏

وَفِي تَرْجَمَةِ أَبِي الْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْإِسْتِرْابَاذِيِّ مِنْ تَأْرِيخِ سَمَرْقَنْدَ لِلنَّسَفِيِّ، أَنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ الْكِتَابَ عَامَّةَ النَّهَارِ وَهُوَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ ظَاهِرًا، لَا يَمْنَعُهُ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ عَنِ الْآخَرِ، بَلْ كَانَ سَأَلَ اللَّهَ تَعَالَى فِي الْكَعْبَةِ كَمَالَ الْقُوَّةِ عَلَى قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وَجِمَاعِ النِّسْوَانِ، فَاسْتُجِيبَ لَهُ الدَّعْوَتَانِ‏.‏

وَهَلْ يَلْتَحِقُ بِذَلِكَ قِرَاءَةُ قَارِئَيْنِ فَأَكْثَرَ فِي آنٍ وَاحِدٍ‏؟‏ فِيهِ نَظَرٌ‏.‏

وَقَدْ قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي طَبَقَاتِ الْقُرَّاءِ‏:‏ مَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنَ الْمُقْرِئِينَ تَرَخَّصَ فِي إِقْرَاءِ اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا إِلَّا الشَّيْخَ عَلَمَ الدِّينِ السَّخَاوِيَّ‏.‏ وَفِي النَّفْسِ مِنْ صِحَّةِ كَمَالِ الرِّوَايَةِ عَلَى هَذَا الْفِعْلِ شَيْءٌ؛ فَإِنَّ اللَّهَ مَا جَعَلَ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ، قَالَ‏:‏ وَمَا هَذَا فِي قُوَّةِ الْبَشَرِ، بَلْ فِي قُدْرَةِ الرُّبُوبِيَّةِ‏.‏

قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا‏:‏ ‏"‏ سُبْحَانَ مَنْ وَسِعَ سَمْعُهُ الْأَصْوَاتَ ‏"‏، انْتَهَى‏.‏

وَمِمَّنْ وَصَفَ الْعِلْمَ بِذَلِكَ ابْنُ خِلِّكَانَ، فَقَالَ‏:‏ إِنَّهُ رَآهُ مِرَارًا رَاكِبًا إِلَى الْجَبَلِ، وَحَوْلَهُ اثْنَانِ وَثَلَاثَةٌ يَقْرَءُونَ عَلَيْهِ دَفْعَةً وَاحِدَةً فِي أَمَاكِنَ مِنَ الْقُرْآنِ مُخْتَلِفَةٍ، وَيَرُدُّ عَلَى الْجَمِيعِ‏.‏

وَلَمَّا تَرْجَمَ التَّقِيُّ الْفَاسِيُّ فِي تَأْرِيخِ مَكَّةَ الشَّمْسَ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ بْنِ يُوسُفَ الْحَلَبِيَّ، وَالِدَ بَعْضِ مَنْ كَتَبْتُ عَنْهُ، قَالَ فِي تَرْجَمَتِهِ‏:‏ وَكَانَ فِي بَعْضِ الْأَحَايِينِ يَقْرَأُ فِي مَوْضِعٍ مِنَ الْقُرْآنِ، وَيُقْرَأُ عَلَيْهِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، وَيَكْتُبُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، فَيُصِيبُ فِيمَا يَقْرَؤُهُ وَيَكْتُبُهُ وَفِي الرَّدِّ، بِحَيْثُ لَا يَفُوتُهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، عَلَى مَا بَلَغَنِي قَالَ‏:‏ وَهَذَا نَحْوٌ مِمَّا حُكِيَ عَنْ بَعْضِ الْقُرَّاءِ أَنَّهُ كَانَ يَسْمَعُ ثَلَاثَةَ نَفَرٍ يَقْرَءُونَ عَلَيْهِ دَفْعَةً وَاحِدَةً فِي أَمَاكِنَ مُخْتَلِفَةٍ، وَعِيبَ ذَلِكَ عَلَى هَذَا الْمُقْرِئِ‏.‏

قُلْتُ‏:‏ وَكَأَنَّهُ عَنَى السَّخَاوِيَّ، وَكَذَا قَالَ شَيْخُنَا‏:‏ إِنَّهُ شُوهِدَ ذَلِكَ مِنَ الْحَلِبِيِّ مِرَارًا- انْتَهَى‏.‏

وَفِيهِ تَسَاهُلٌ وَتَفْرِيطٌ، وَمُقَابِلُهُ فِي التَّشَدُّدِ وَالْإِفْرَاطِ فِيهِ مَا حَكَاهُ الْخَطِيبُ فِي تَرْجَمَةِ الْحَافِظِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ الصُّورِيِّ، أَنَّهُ كَانَ مَعَ كَثْرَةِ طَلَبِهِ وَكُتُبِهِ صَعْبَ الْمَذْهَبِ فِيمَا يَسْمَعُهُ، رُبَّمَا كَرَّرَ قِرَاءَةَ الْحَدِيثِ الْوَاحِدِ عَلَى شَيْخِهِ مَرَّاتٍ ‏(‏وَذَاكَ‏)‏ أَيِ‏:‏ التَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ فِي مَسْأَلَةِ النَّسْخِ ‏(‏يَجْرِي فِي الْكَلَامِ‏)‏ مِنْ كُلٍّ مِنَ السَّامِعِ وَالْمُسْمِعِ فِي وَقْتِ السَّمَاعِ، وَكَذَا فِي إِفْرَاطِ الْقَارِئِ فِي الْإِسْرَاعِ ‏(‏أَوْ إِذَا هَيْنَمَ‏)‏ أَيْ‏:‏ أَخْفَى صَوْتَهُ ‏(‏حَتَّى خَفِيَ‏)‏ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ ‏(‏الْبَعْضُ‏)‏، وَ‏(‏كَذَا إِنْ بَعُدَ السَّامِعُ‏)‏ عَنِ الْقَارِئِ، أَوْ كَانَ فِي سَمْعِهِ أَوِ الْمُسْمِعِ بَعْضُ ثِقَلٍ، أَوْ عَرَضَ نُعَاسٌ خَفِيفٌ بِحَيْثُ يَفُوتُ سَمَاعُ الْبَعْضِ ‏(‏ثُمَّ‏)‏ مَعَ اعْتِمَادِ التَّفْصِيلِ فِي كُلِّ مَا سَلَفَ ‏(‏يُحْتَمَلْ‏)‏ يَعْنِي‏:‏ يُغْتَفَرْ ‏(‏فِي الظَّاهِرِ‏)‏ ‏[‏مِنْ صَنِيعِهِمْ فِي الْمَسْمُوعِ‏]‏ ‏(‏الْكَلِمَتَانِ‏)‏ ‏[‏إِذَا فَاتَتَا‏]‏ ‏(‏أَوْ أَقَلْ‏)‏ كَالْكَلِمَةِ‏.‏

وَقَدْ سُئِلَ أَبُو إِسْحَاقَ الْإِسْفَرَايِينِيُّ عَنْ كَلَامِ السَّامِعِ أَوِ الْمُسْمِعِ غَيْرِ الْمُتَّصِلِ، وَعَنِ الْقِرَاءَةِ السَّرِيعَةِ وَالْمُدْغَمَةِ الَّتِي تَشِذُّ مِنْهَا الْحَرْفُ وَالْحَرْفَانِ، وَالْإِغْفَاءِ الْيَسِيرِ، فَأَجَابَ‏:‏ إِذَا كَانَتْ كَلِمَةً لَا تُلْهِيهِ عَنِ السَّمَاعِ جَازَتِ الرِّوَايَةُ، وَكَذَا لَا يُمْنَعُ مَا ذُكِرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنَ السَّمَاعِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنِ الْإِدْغَامُ يَجُوزُ فِي اللُّغَةِ يَكُونُ حِينَئِذٍ تَارِكًا بَعْضَ الْكَلِمَةِ- انْتَهَى‏.‏

بَلْ تَوَسَّعُوا حِينَ صَارَ الْمَلْحُوظُ إِبْقَاءَ سِلْسِلَةِ الْإِسْنَادِ لَأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، بِحَيْثُ كَانَ يُكْتَبُ السَّمَاعُ عِنْدَ الْمِزِّيِّ وَبِحَضْرَتِهِ لِمَنْ يَكُونُ بَعِيدًا عَنِ الْقَارِئِ، وَكَذَا لِلنَّاعِسِ، وَالْمُتَحَدِّثِ، وَالصِّبْيَانِ الَّذِينَ لَا يَنْضَبِطُ أَحَدُهُمْ، بَلْ يَلْعَبُونَ غَالِبًا وَلَا يَشْتَغِلُونَ بِمُجَرَّدِ السَّمَاعِ‏.‏ حَكَاهُ ابْنُ كَثِيرٍ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَبَلَغَنِي عَنِ الْقَاضِي التَّقِيِّ سُلَيْمَانَ بْنِ حَمْزَةَ أَنَّهُ زَجَرَ فِي مَجْلِسِهِ الصِّبْيَانَ عَنِ اللَّعِبِ، فَقَالَ‏:‏ لَا تَزْجُرُوهُمْ؛ فَإِنَّا إِنَّمَا سَمِعْنَا مِثْلَهُمْ‏.‏

وَكَذَا حُكِيَ عَنِ ابْنِ الْمُحِبِّ الْحَافِظِ التَّسَامُحُ فِي ذَلِكَ، وَيَقُولُ‏:‏ كَذَا كُنَّا صِغَارًا نَسْمَعُ، فَرُبَّمَا ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُنَا فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ وَالْقَارِئُ يَقْرَأُ، فَلَا يُنْكِرُ عَلَيْنَا مَنْ حَضَرَ الْمَجْلِسَ مِنْ كِبَارِ الْحُفَّاظِ كَالْمِزِّيِّ وَالْبِرْزَالِيِّ وَالذَّهَبِيِّ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْعُلَمَاءِ‏.‏

وَقَالَ الذَّهَبِيُّ‏:‏ كَانَ شَيْخُنَا ابْنُ أَبِي الْفَتْحِ يُسْرِعُ فِي الْقِرَاءَةِ وَيُعْرِبُ، لَكِنَّهُ يُدْغِمُ بَعْضَ أَلْفَاظِهِ، وَمِثْلُهُ ابْنُ حَبِيبٍ‏.‏

وَكَانَ شَيْخُنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، يَعْنِي‏:‏ ابْنَ تَيْمِيَّةَ، يُسْرِعُ وَلَا يُدْغِمُ إِلَّا نَادِرًا، وَكَانَ الْمِزِّيُّ يُسْرِعُ وَيُبِينُ، وَرُبَّمَا تَمْتَمَ يَسِيرًا- انْتَهَى‏.‏

وَمِمَّنْ وُصِفَ بِسُرْعَةِ السَّرْدِ مَعَ عَدَمِ اللَّحْنِ وَالدَّمْجِ الْبِرْزَالِيُّ، وَمِنْ قَبْلِهِ الْخَطِيبُ الْحَافِظُ، بِحَيْثُ قَرَأَ الْبُخَارِيُّ عَلَى إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَحْمَدَ النَّيْسَابُورِيِّ الْحِيرِيِّ الضَّرِيرِ رَاوِيهِ عَنِ الْكُشْمِيهَنِيِّ فِي ثَلَاثَةِ مَجَالِسَ‏:‏ اثْنَانِ مِنْهُمَا فِي لَيْلَتَيْنِ، كَانَ يَبْتَدِئُ بِالْقِرَاءَةِ وَقْتَ الْمَغْرِبِ، وَيَخْتِمُ عِنْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ، وَالثَّالِثُ مِنْ ضَحْوَةِ نَهَارٍ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ‏.‏ قَالَ الذَّهَبِيُّ‏:‏ وَهَذَا شَيْءٌ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا فِي زَمَانِنَا يَسْتَطِيعُهُ- انْتَهَى‏.‏

وَقَدْ قَرَأَهُ شَيْخُنَا فِي أَرْبَعِينَ سَاعَةً رَمْلِيَّةً، وَصَحِيحَ مُسْلِمٍ فِي أَرْبَعَةِ مَجَالِسَ، سِوَى الْخَتْمِ مِنْ نَحْوِ يَوْمَيْنِ وَشَيْءٍ؛ فَإِنَّ كُلَّ مَجْلِسٍ كَانَ مِنْ بَاكِرِ النَّهَارِ إِلَى الظُّهْرِ‏.‏

وَأَسْرَعُ مَنْ عَلِمْتُهُ قَرَأَ مِنَ الْخُطُوطِ الْمُتَنَوِّعَةِ فِي عَصْرِنَا مَعَ الصِّحَّةِ، بِحَيْثُ لَمْ يَنْهَضِ الْأَكَابِرُ لِضَبْطِ شَاذَّةٍ وَلَا فَاذَّةٍ عَلَيْهِ فِي الْإِعْرَابِ، خَاصَّةً مَعَ عَدَمِ تَبْيِيتِ مُطَالَعَةِ شَيْخِنَا ابْنُ خَضِرٍ، وَلَكِنْ مَا كَانَ يَخْلُو مِنْ هَذْرَمَةٍ، ‏[‏وَأَسْرَعُ مَا وَقَعَ لِي اتِّفَاقًا أَنَّنِي قَرَأْتُ فِي جِلْسَةٍ نَحْوًا مِنْ خَمْسِ سَاعَاتٍ مِنْ مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ إِلَى الصِّيَامِ‏]‏‏.‏

424- وَيَنْبَغِي لِلشَّيْخِ أَنْ يُجِيزَ مَعْ *** إِسْمَاعِهِ جَبْرًا لِنَقْصٍ إِنْ وَقَعْ

425- قَالَ ابْنُ عَتَّابٍ وَلَا غِنَى عَنْ *** إِجَازَةٍ مَعَ السَّمَاعِ تُقْرَنْ

426- وَسُئِلَ ابْنُ حَنْبَلٍ إِنْ حَرْفَا *** أَدْغَمَهُ فَقَالَ‏:‏ أَرْجُو يُعْفَى

427- لَكِنْ أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ مَنَعْ *** فِي الْحَرْفِ يَسْتَفْهِمُهُ فَلَا يَسَعْ

428- إِلَّا بِأَنْ يَرْوِيَ تِلْكَ الشَّارِدَهْ *** عَنْ مُفْهِمٍ وَنَحْوُهُ عَنْ زَائِدَهْ

429- وَخَلَفُ بْنُ سَالِمٍ قَدْ قَالَ‏:‏ ‏"‏ نَا *** إِذْ فَاتَهُ حَدَّثَ ‏"‏ مِنْ حَدَّثَنَا

430- مِنْ قَوْلِ سُفْيَانٍ وَسُفْيَانُ اكْتَفَى *** بِلَفْظٍ مُسْتَمْلٍ عَنِ الْمُمْلِي اقْتَفَى

431- كَذَاكَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ أَفْتَى *** اسْتَفْهِمِ الَّذِي يَلِيكَ حَتَّى

432- رَوَوْا عَنِ الْأَعْمَشِ كُنَّا نَقْعُدُ *** لِلنَّخَعِيِّ فَرُبَّمَا قَدْ يَبْعُدُ

433- الْبَعْضُ لَا يَسْمَعُهُ فَيَسْأَلُ *** الْبَعْضَ عَنْهُ ثُمَّ كُلٌّ يَنْقُلُ

434- وَكُلُّ ذَا تَسَاهُلٌ وَقَوْلُهُمْ *** يَكْفِي مِنَ الْحَدِيثِ شَمُّهُ فَهُمْ

435- عَنَوْا إِذَا أَوَّلُ شَيْءٍ سُئِلَا *** عَرَفَهُ وَمَا عَنَوْا تَسَهُّلَا

السَّادِسُ‏:‏ ‏(‏وَيَنْبَغِي‏)‏ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِحْبَابِ؛ حَيْثُ لَمْ يَنْفَكَّ الْأَمْرُ غَالِبًا عَنْ أَحَدِ أُمُورٍ، إِمَّا خَلَلٌ فِي الْإِعْرَابِ أَوْ فِي الرِّجَالِ، أَوْ هَذْرَمَةٌ، أَوْ هَيْنَمَةٌ، أَوْ كَلَامٌ يَسِيرٌ، أَوْ نُعَاسٌ خَفِيفٌ، أَوْ بُعْدٌ، أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ ‏(‏لِلشَّيْخِ‏)‏ الْمُسْمِعِ ‏(‏أَنْ يُجِيزَ‏)‏ لِلسَّامِعِينَ رِوَايَةَ الْكِتَابِ أَوِ الْجُزْءِ أَوِ الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ لَهُمْ ‏(‏مَعْ‏)‏ إِسْمَاعِهِ لَهُمْ ‏(‏جَبْرًا لِنَقْصٍ‏)‏ يَصْحَبُ السَّمَاعَ ‏(‏إِنْ يَقَعْ‏)‏ بِسَبَبِ شَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ‏.‏

وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ ابْنِ الصَّلَاحِ فِيمَا وُجِدَ بِخَطِّهِ لِمَنْ سَمِعَ مِنْهُ صَحِيحَ الْبُخَارِيِّ‏:‏ وَأَجَزْتُ لَهُ رِوَايَتَهُ عَنِّي مُخَصِّصًا مِنْهُ بِالْإِجَازَةِ مَا زَلَّ عَنِ السَّمْعِ لِغَفْلَةٍ أَوْ سَقْطٍ عِنْدَ السَّمَاعِ بِسَبَبٍ مِنَ الْأَسْبَابِ‏.‏ وَكَذَا كَانَ ابْنُ رَافِعٍ يَتَلَفَّظُ بِالْإِجَازَةِ بَعْدَ السَّمَاعِ قَائِلًا‏:‏ أَجَزْتُ لَكُمْ رِوَايَتَهُ عَنِّي سَمَاعًا وَإِجَازَةً لِمَا خَالَفَ أَصْلَ السَّمَاعِ إِنْ خَالَفَ، بَلْ ‏(‏قَالَ‏)‏ مُفْتِي قُرْطُبَةَ وَعَالِمُهَا ‏(‏ابْنُ عَتَّابٍ‏)‏ بِمُهْمَلَةٍ ثُمَّ فَوْقَانِيَّةٍ مُشَدَّدَةٍ، هُوَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ الْجُذَامِيُّ الْمُتَوَفَّى فِي صَفَرٍ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَأَرْبَعِمَائِةٍ ‏(‏462ه‏)‏ فِيمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ وَلَدِهِ أَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَأَبِي عَلِيٍّ الْغَسَّانِيِّ عَنْهُ مَا مَعْنَاهُ‏:‏ ‏(‏وَ‏)‏ الَّذِي أَقُولُ‏:‏ إِنَّهُ ‏(‏لَا غِنَى‏)‏ ‏[‏بِالْقَصْرِ لِلْمُنَاسَبَةِ‏]‏، لِطَالِبِ الْعِلْمِ، يَعْنِي‏:‏ فِي زَمَنِهِ فَمَا بَعْدَهُ ‏(‏عَنْ إِجَازَةٍ‏)‏ بِذَاكَ الدِّيوَانِ أَوِ الْحَدِيثِ ‏(‏مَعَ السَّمَاعِ‏)‏ لَهُ ‏(‏تُقْرَنُ‏)‏ بِهِ؛ لِجَوَازِ السَّهْوِ أَوِ الْغَفْلَةِ أَوِ الِاشْتِبَاهِ عَلَى الطَّالِبِ وَالشَّيْخِ مَعًا أَوْ عَلَى أَحَدِهِمَا‏.‏

وَكَلَامُهُ إِلَى الْوُجُوبِ أَقْرَبُ، وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ حَالِهِ؛ فَإِنَّهُ كَانَ كَثِيرَ الِاحْتِيَاطِ وَالْوَرَعِ، حَتَّى إِنَّهُ لِكَوْنِ مَدَارِ الْفَتْوَى عَلَيْهِ كَانَ يَخَافُ عَاقِبَتَهَا، وَيُظْهِرُ مَهَابَتَهَا، حَتَّى كَانَ يَقُولُ‏:‏ مَنْ يَحْسُدُنِي فِيهَا جَعَلَهُ اللَّهُ مُفْتِيًا، وَدِدْتُ أَنِّي أَنْجُو مِنْهَا كَفَافًا، ثُمَّ عَلَى كَاتِبِ الطَّبَقِةِ اسْتِحْبَابًا التَّنْبِيهُ عَلَى مَا وَقَعَ مِنْ إِجَازَةِ الْمُسْمِعِ فِيهَا، وَيُقَالُ‏:‏ إِنَّ أَوَّلَ مَنْ كَتَبَهَا فِي الطِّبَاقِ الْحَافِظُ الْمُتْقِنُ تَقِيُّ الدِّينِ أَبُو الطَّاهِرِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُحْسِنِ بْنِ الْأَنْمَاطِيِّ الْمِصْرِيُّ الشَّافِعِيُّ الْمُتَوَفَّى فِي سَنَةِ تِسْعَ عَشَرَ وَسِتِّمَائَةٍ ‏(‏619ه‏)‏، وَكَانَ دَأْبُهُ النُّصْحَ وَكَثْرَةَ الْإِفَادَةِ، بِحَيْثُ إِنَّهُ اسْتَجَازَ لِخَلْقٍ ابْتِدَاءً مِنْهُ بِدُونِ مَسْأَلَةٍ مِنْ أَكْثَرِهِمْ، وَتَبِعَهُ فِي هَذِهِ السُّنَّةِ الْحَسَنَةِ؛ أَعْنِي‏:‏ كِتَابَةَ الْإِجَازَةِ، فِي الطِّبَاقِ مَنْ بَعْدَهُ، وَحَصَلَ بِذَلِكَ نَفْعٌ كَثِيرٌ، فَلَقَدِ انْقَطَعَتْ بِسَبَبِ إِهْمَالِ ذَلِكَ وَتَرْكِهِ بِبَعْضِ الْبِلَادِ رِوَايَةُ بَعْضِ الْكُتُبِ لِكَوْنِ رَاوِيهَا كَانَ قَدْ فَاتَهُ ذَلِكَ، وَلَمْ يُوجَدْ فِي الطَّبَقَةِ إِجَازَةُ الْمُسْمِعِ لِلسَّامِعِينَ، فَمَا أَمْكَنَ قِرَاءَةُ ذَلِكَ الْفَوْتِ عَلَيْهِ بِالْإِجَازَةِ لِعَدَمِ تَحَقُّقِهَا، كَمَا اتَّفَقَ فِي أَبِي الْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ نَصْرِ اللَّهِ بْنَ الصَّوَّافِ الشَّاطِبِيِّ فِي السُّنَنِ الصُّغْرَى لِلنَّسَائِيِّ لَمْ يَأْخُذُوا عَنْهُ سِوَى مَسْمُوعِهِ مِنْهُ عَلَى الصَّفِيِّ أَبِي بَكْرِ بْنِ بَاقَا فَقَطْ، هَذَا مَعَ قُرْبِ سَمَاعِهِ مِنَ الْوَقْتِ الَّذِي ابْتَكَرَ فِيهِ ابْنُ الْأَنْمَاطِيِّ كِتَابَتَهَا، وَلَكِنْ لَعَلَّهُ لَمْ يَكُنِ اشْتَهَرَ، عَلَى أَنِّي قَدْ وَقَفْتُ عَلَى مَنْ سَبَقَ الْأَنْمَاطِيَّ بِذَلِكَ فِي كَلَامِ الْقَاضِي عِيَاضٍ، حَيْثُ قَالَ‏:‏ وَقَفْتُ عَلَى تَقْيِيدِ سَمَاعٍ لِبَعْضِ نُبَهَاءِ الْخُرَاسَانِيِّينَ مِنْ أَهْلِ الْمَشْرِقِ بِنَحْوِ مَا أَشَارَ إِلَيْهِ ابْنُ عَتَّابٍ، فَقَالَ‏:‏ سَمِعَ هَذَا الْجُزْءَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ عَلَى الشَّيْخِ أَبِي الْفَضْلِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيِّ، وَأَجَازَ مَا أُغْفِلَ وَصُحِّفَ وَلَمْ يُصْغِ إِلَيْهِ أَنْ يُرْوَى عَنْهُ عَلَى الصِّحَّةِ‏.‏

قَالَ الْقَاضِي‏:‏ وَهَذَا مَنْزَعٌ نَبِيلٌ فِي الْبَابِ جِدًّا- انْتَهَى‏.‏

وَتُغْتَفَرُ الْجَهَالَةُ بِالْقَدْرِ الَّذِي أُجِيزَ بِسَبَبِهِ، وَلَا يَلْزَمُهُ الْإِفْصَاحُ بِذَلِكَ حِينَ رِوَايَتِهِ إِلَّا إِنْ أَكْثَرَ؛ لِأَنَّ الْمُخْبِرَ حِينَئِذٍ أَنَّهُ سَمِعَ كَاذِبٌ؛ لِعَدَمِ مُطَابَقَتِهِ لِلْوَاقِعِ، وَلَا تَجْبُرُ الْإِجَازَةُ مِثْلَ هَذَا‏.‏ نَعَمْ، إِنْ أَطْلَقَ الْإِخْبَارَ كَانَ صَادِقًا كَمَا سَيَأْتِي فِي أَوَاخِرِ ثَالِثِ أَقْسَامِ التَّحَمُّلِ‏.‏

وَإِنَّمَا كُرِهَ إِطْلَاقُهُ فِي الْإِجَازَةِ الْمَحْضَةِ؛ لِمُخَالَفَتِهِ الْعَادَةَ، أَوْ لِإِيقَاعِهِ تُهَمَةً إِذَا عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ أَصْلًا، وَذَلِكَ مَعْدُومٌ هُنَا لَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ السَّمَاعُ مُثْبَتًا بِغَيْرِ خَطِّهِ؛ لِانْتِفَاءِ الرِّيبَةِ عَنْهُ بِكُلِّ وَجْهٍ، أَشَارَ إِلَيْهِ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ‏.‏

وَإِذَا انْتَهَتْ مَسْأَلَةُ الْإِجَازَةِ الَّتِي كَانَ تَأْخِيرُهَا أَنْسَبَ لِتَعَلُّقِ مَا قَبْلَهَا بِمَا بَعْدَهَا، وَلِتَكُونَ فَرْعًا مُسْتَقِلًّا، وَلَكِنْ هَكَذَا هِيَ عِنْدَ ابْنِ الصَّلَاحِ‏.‏

فَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ اغْتِفَارُ الْكَلِمَةِ وَالْكَلِمَتَيْنِ، يَعْنِي‏:‏ سَوَاءٌ أَخَلَّتَا أَوْ إِحْدَاهُمَا بِفَهْمِ الْبَاقِي أَمْ لَا؛ لِأَنَّ فَهْمَ الْمَعْنَى لَا يُشْتَرَطُ، وَسَوَاءٌ كَانَ يَعْرِفُهُمَا أَمْ لَا‏.‏ وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأَزْمَانِ الْمُتَأَخِّرَةِ، وَإِلَّا فَفِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابٍ النَّسَائِيِّ يَقُولُ‏:‏ وَذَكَرَ كَلِمَةً مَعْنَاهَا كَذَا وَكَذَا؛ لِكَوْنِهِ فِيمَا يَظْهَرُ لَمْ يَسْمَعْهَا جَيِّدًا وَعَلِمَهَا‏.‏

‏(‏وَسُئِلَ‏)‏ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، هُوَ ‏(‏ابْنُ حَنْبَلٍ‏)‏، مِنِ ابْنِهِ صَالِحٍ؛ حَيْثُ قَالَ لَهُ‏:‏ إِنْ أَدْمَجَ الشَّيْخُ أَوِ الْقَارِئُ ‏(‏إِنْ حَرْفَا‏)‏ يَعْنِي‏:‏ لَفْظًا يَسِيرًا ‏(‏أَدْغَمَهُ‏)‏ فَلَمْ يَفْهَمْهُ السَّامِعُ؛ أَيْ‏:‏ لَمْ يَسْمَعْهُ مَعَ مَعْرِفَتِهِ أَنَّهُ كَذَا وَكَذَا، أَتَرَى لَهُ أَنْ يَرْوِيَهُ عَنْهُ‏؟‏ ‏(‏فَقَالَ‏:‏ أَرْجُو‏)‏ أَنَّهُ ‏(‏يُعْفَى‏)‏ عَنْ ذَلِكَ، وَلَا يَضِيقَ الْحَالُ عَنْهُ، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي مَنَاقِبِ أَحْمَدَ، فَقَيَّدَ الْعَفْوَ بِكَوْنِهِ يَعْرِفُهُ، وَتَمَامُهُ‏:‏ قَالَ صَالِحٌ‏:‏ فَقُلْتُ لَهُ‏:‏ الْكِتَابُ قَدْ طَالَ عَهْدُهُ عَنِ الْإِنْسَانِ لَا يَعْرِفُ بَعْضَ حُرُوفِهِ، فَيُخْبِرُهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ إِنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ كَمَا فِي الْكِتَابِ فَلَا بَأْسَ بِهِ‏.‏

قَالَ الْبَيْهَقِيُّ‏:‏ يَعْنِي يُوقِفُهُ عَلَى الصَّوَابِ، فَيَنْظُرُ فِي الْكِتَابِ وَيَعْلَمُ أَنَّهُ كَمَا قَالَ‏.‏ ‏(‏لَكِنْ‏)‏ الْحَافِظُ ‏(‏أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ‏)‏ بْنُ دُكَيْنٍ ‏(‏مَنَعْ‏)‏ مِنْ سُلُوكِهِ ‏(‏فِي الْحَرْفِ‏)‏ يَعْنِي‏:‏ فِي اللَّفْظِ الْيَسِيرِ مِمَّا يَشْرِدُ عَنْهُ فِي حَالِ سَمَاعِهِ مِنْ سُفْيَانَ وَالْأَعْمَشِ الَّذِي ‏(‏يَسْتَفْهِمُهُ‏)‏ مِنْ بَعْضِ الْحَاضِرِينَ مِنْ أَصْحَابِهِ ‏(‏فَ‏)‏ قَالَ‏:‏ ‏(‏لَا يَسَعْ‏)‏ مَنْ وَقَعَ لَهُ مِثْلُهُ ‏(‏إِلَّا بِأَنْ‏)‏ أَيْ‏:‏ أَنْ‏.‏

‏(‏يَرْوِيَ تِلْكَ‏)‏ الْكَلِمَةَ ‏(‏الشَّارِدَهْ عَنْ مُفْهِمٍ‏)‏ أَفْهَمَهُ إِيَّاهَا مِنْ صَاحِبٍ ‏(‏وَنَحْوُهُ‏)‏ مَرْوِيٌّ ‏(‏عَنْ زَائِدَهْ‏)‏، هُوَ ابْنُ قُدَامَةَ‏.‏ قَالَ خَلَفُ بْنُ تَمِيمٍ‏:‏ سَمِعْتُ مِنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَشَرَةَ آلَافِ حَدِيثٍ أَوْ نَحْوَهَا، فَكُنْتُ أَسْتَفْهِمُ جَلِيسِي، فَقُلْتُ لِزَائِدَةَ، فَقَالَ لِي‏:‏ لَا تُحَدِّثْ مِنْهَا إِلَّا بِمَا تَحْفَظُ بِقَلْبِكَ، وَتَسْمَعُ بِأُذُنِكَ، قَالَ‏:‏ فَأَلْقَيْتُهَا‏.‏ وَحُكِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِثْلُهُ‏.‏

وَكُلُّ هَذَا إِنْ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ مَنْ عَلِمَ بِنَفْسِهِ، أَوِ اسْتَفْهَمَ، أَوْ بِأَنَّ الْأَوَّلَ فِي الْحَرْفِ الْحَقِيقِيِّ، وَالثَّانِيَ فِي الْكَلِمَةِ، يُخَالِفُ الْمَحْكِيَّ عَنْ أَحْمَدَ ‏(‏وَ‏)‏ أَيْضًا فَأَحَدُ الْحُفَّاظِ الْمُتْقِنِينَ أَبُو مُحَمَّدٍ ‏(‏خَلَفُ بْنُ سَالِمٍ‏)‏ الْمَخْرَمِيُّ بِالتَّشْدِيدِ، نِسْبَةً لِمَحِلَّةٍ بِبَغْدَادَ ‏(‏قَدْ قَالَ‏:‏ نَا‏)‏ مُقْتَصِرًا عَلَى النُّونِ وَالْأَلِفِ؛ ‏(‏إِذْ فَاتَهُ حَدَّثَ مِنْ حَدَّثَنَا مِنْ قَوْلِ‏)‏ شَيْخِهِ ‏(‏سُفْيَانَ‏)‏ بْنِ عُيَيْنَةَ حِينَ تَحْدِيثِهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ بِخُصُوصِهِ، فَكَانَ يُقَالُ لَهُ‏:‏ قُلْ‏:‏ حَدَّثَنَا، فَيَمْتَنِعُ وَيَقُولُ‏:‏ إِنَّهُ لِكَثْرَةِ الزِّحَامِ عِنْدَ سُفْيَانَ لَمْ أَسْمَعْ شَيْئًا مِنْ حُرُوفِ ‏"‏ ح د ث ‏"‏‏.‏ فَهَذَا مُخَالِفٌ لِأَحْمَدَ بِلَا شَكٍّ‏.‏

هَذَا ‏(‏وَسُفْيَانُ‏)‏ شَيْخُهُ ‏(‏اكْتَفَى بِ‏)‏ سَمَاعِ ‏(‏لَفْظِ مُسْتَمْلٍ عَنْ‏)‏ لَفْظِ ‏(‏الْمُمْلِي‏)‏ إِذِ الْمُسْتَمْلِي ‏(‏اقْتَفَى‏)‏ أَيِ‏:‏ اتَّبَعَ لَفْظَ الْمُمْلِي، وَذَاكَ أَنَّ أَبَا مُسْلِمٍ الْمُسْتَمْلِي قَالَ لَهُ‏:‏ إِنَّ النَّاسَ كَثِيرٌ لَا يَسْمَعُونَ، فَقَالَ‏:‏ أَتَسْمَعُ أَنْتَ‏؟‏ قَالَ‏:‏ نَعَمْ، قَالَ‏:‏ فَأَسْمِعْهُمْ‏.‏

وَلَعَلَّ سَمَاعَ خَلَفٍ لَمْ يَكُنْ فِي الْإِمْلَاءِ ‏(‏كَذَاكَ‏)‏ أَبُو إِسْمَاعِيلَ ‏(‏حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ أَفْتَى‏)‏ مَنِ اسْتَفْهَمَهُ فِي حَالِ إِمْلَائِهِ، وَاسْتَعَادَهُ بَعْضَ الْأَلْفَاظِ وَقَالَ لَهُ‏:‏ كَيْفَ قُلْتَ‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ ‏(‏اسْتَفْهِمِ الَّذِي يَلِيكَ‏)‏، وَهَذَا هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْعَمَلُ بَيْنَ أَكَابِرِ الْمُحَدِّثِينَ الَّذِينَ كَانَ يَعْظُمُ الْجَمْعُ فِي مَجَالِسِهِمْ جِدًّا، وَيَجْتَمِعُ فِيهَا الْفِئَامُ مِنَ النَّاسِ بِحَيْثُ يَبْلُغُ عَدَدُهُمْ أُلُوفًا مُؤَلَّفَةً، وَيَصْعَدُ الْمُسْتَمْلُونَ عَلَى الْأَمَاكِنِ الْمُرْتَفِعَةِ، وَيُبَلِّغُونَ عَنِ الْمَشَايِخِ مَا يُمْلُونَ، أَنَّ مَنْ سَمِعَ الْمُسْتَمْلِيَ دُونَ سَمَاعِ لَفْظِ الْمُمْلِي جَازَ لَهُ أَنْ يَرْوِيَهُ عَنِ الْمُمْلِي، يَعْنِي بِشَرْطِ أَنْ يَسْمَعَ الْمُمْلِي لَفْظَ الْمُسْتَمْلِي، وَإِنْ أَطْلَقَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ كَالْعَرْضِ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَمْلِيَ فِي حُكْمِ الْقَارِئِ عَلَى الْمُمْلِي، وَحِينَئِذٍ فَلَا يُقَالُ فِي الْأَدَاءِ لِذَلِكَ‏:‏ سَمِعْتُ فُلَانًا، كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْعَرْضِ، بَلِ الْأَحْوَطُ بَيَانُ الْوَاقِعِ كَمَا فَعَلَهُ الْبُخَارِيُّ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَغَيْرُهُمَا مِنَ الْأَئِمَّةِ مِمَّنْ كَانَ يَقُولُ‏:‏ وَثَبَّتَنِي فِيهِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا، أَوْ وَأَفْهَمَنِي فُلَانٌ بَعْضَهُ، حَسْبَمَا يَجِيءُ مَبْسُوطًا فِي آخِرِ الْفَصْلِ السَّادِسِ مِنْ صِفَةِ رِوَايَةِ الْحَدِيثِ وَأَدَائِهِ‏.‏ وَلِقَصْدِ السَّلَامَةِ مِنْ إِغْفَالِ لَفْظِ الْمُمْلِي، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمَّارٍ الْمَوْصِلِيُّ‏:‏ مَا كَتَبْتُ قَطُّ مِنْ فِي الْمُسْتَمْلِي، وَلَا الْتَفَتُّ إِلَيْهِ، وَلَا أَدْرِي أَيَّ شَيْءٍ يَقُولُ، إِنَّمَا كُنْتُ أَكْتُبُ عَنْ فِي الْمُحَدِّثِ، وَكَذَا تَوَرَّعَ آخَرُونَ وَشَدَّدُوا فِي ذَلِكَ‏.‏

قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ‏:‏ وَهُوَ الْقِيَاسُ، وَالْأَوَّلُ أَصْلَحُ لِلنَّاسِ ‏(‏حَتَّى‏)‏ إِنَّهُمْ ‏(‏رَوَوْا عَنْ‏)‏ سُلَيْمَانَ بْنِ مِهْرَانَ ‏(‏الْأَعْمَشِ‏)‏ الْحَافِظِ الْحُجَّةِ، أَنَّهُ قَالَ‏:‏ ‏(‏كُنَّا نَقْعُدُ لِلنَّخَعِيِّ‏)‏ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ أَحَدِ فُقَهَاءِ التَّابِعِينَ حِينَ تَحْدِيثِهِ، وَالْحَلْقَةُ مُتَّسِعَةٌ‏.‏

‏(‏فَرُبَّمَا قَدْ يَبْعُدُ الْبَعْضُ‏)‏ مِمَّنْ يَحْضُرُ ‏(‏وَلَا يَسْمَعُهُ فَيَسْأَلُ‏)‏ ذَلِكَ الْبَعِيدُ ‏(‏الْبَعْضَ‏)‏ الْقَرِيبَ مِنَ الشَّيْخِ ‏[‏‏(‏عَنْهُ‏)‏ عَمَّا قَالَ الشَّيْخُ‏]‏ ‏(‏ثُمَّ كُلٌّ‏)‏ مِمَّنْ سَمِعَ مِنَ الشَّيْخِ أَوْ رَفِيقِهِ ‏(‏يَنْقُلُ‏)‏ كُلَّ ذَلِكَ عَنِ الشَّيْخِ بِلَا وَاسِطَةٍ ‏(‏وَكُلُّ ذَا‏)‏ أَيْ‏:‏ رِوَايَةُ مَا لَمْ يَسْمَعْهُ إِلَّا مِنْ رَفِيقِهِ أَوِ الْمُسْتَمْلِي عَنْ لَفْظِ الشَّيْخِ ‏(‏تَسَاهُلٌ‏)‏ مِمَّنْ فَعَلَهُ، وَلِذَا كَانَ أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ وَغَيْرُهُ كَمَا تَقَدَّمَ لَا يَرَوْنَ لَهُ التَّحْدِيثَ بِمَا اسْتَفْهَمَهُ إِلَّا عَنِ الْمُفْهِمِ، وَلَا يُعْجِبُ أَبَا نُعَيْمٍ- كَمَا قَالَهُ أَبُو زُرْعَةَ عَنْهُ- صَنِيعُهُمْ هُنَا، وَلَا يَرْضَى بِهِ لِنَفْسِهِ‏.‏

‏(‏وَقَوْلُهُمُ‏)‏ كَالْحَافِظِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَنْدَهْ تَبَعًا لِلْإِمَامِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ‏:‏ ‏(‏يَكْفِي‏)‏ مِنْ سَمَاعِ ‏(‏الْحَدِيثِ شَمُّهُ‏)‏ الَّذِي رُوِّينَاهُ فِي الْوَصِيَّةِ لِأَبِي الْقَاسِمِ بْنِ مَنْدَهْ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ‏:‏ سَمِعْتُ بُنْدَارًا يَقُولُ‏:‏ سَمِعْتُ ابْنَ مَهْدِيٍّ يَقُولُ‏:‏ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ يَكْفِيهِمُ الشَّمُّ‏.‏

‏(‏فَهُمْ‏)‏ أَيِ‏:‏ الْقَائِلُونَ ذَلِكَ- كَمَا قَالَ حَمْزَةُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِنَانِيُّ الْحَافِظُ، حَسْبَمَا نَقَلَهُ عَبْدُ الْغَنِيِّ بْنُ سَعِيدٍ الْحَافِظُ عَنْهُ- إِنَّمَا ‏(‏عَنَوْا‏)‏ بِهِ ‏(‏إِذَا أَوَّلُ شَيْءٍ‏)‏ أَيْ‏:‏ طَرَفُ حَدِيثٍ ‏(‏سُئِلَا‏)‏ عَنْهُ الْمُحَدِّثُ ‏(‏عَرَفَهُ‏)‏، وَاكْتَفَى بِطَرَفِهِ عَنْ ذِكْرِ بَاقِيهِ، فَقَدْ كَانَ السَّلَفُ يَكْتُبُونَ أَطْرَافَ الْحَدِيثِ لِيُذَاكِرُوا الشُّيُوخَ فَيُحَدِّثُوهُمْ بِهَا‏.‏

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ‏:‏ كُنْتُ أَلْقَى عُبَيْدَةَ بْنَ عَمْرٍو السَّلْمَانِيَّ بِالْأَطْرَافِ‏.‏ وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ‏:‏ لَا بَأْسَ بِكِتَابَةِ الْأَطْرَافِ ‏(‏وَمَا عَنَوْا‏)‏ بِهِ ‏(‏تَسَهُّلَا‏)‏ فِي التَّحَمُّلِ وَلَا الْأَدَاءِ‏.‏ وَمَيْلُ ابْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ مِنْ هَذَا كُلِّهِ لِمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْفَضْلُ وَزَائِدَةُ‏.‏

436- وَإِنْ يُحَدِّثْ مِنْ وَرَاءِ سِتْرِ *** عَرَفْتَهُ بِصَوْتٍ أَوْ ذِي خُبْرِ

437- صَحَّ وَعَنْ شُعْبَةَ لَا تَرْوِ، لَنَا *** إِنَّ بِلَالًا وَحَدِيثُ أُمِّنَا

‏[‏السَّابِعُ‏]‏ السَّادِسُ بَلِ السَّابِعُ بِاعْتِبَارِ إِفْرَادِ مَسْأَلَةِ الْإِجَازَةِ‏:‏ ‏(‏وَإِنْ يُحَدِّثْ مِنْ وَرَاءِ سِتْرِ‏)‏ إِزَارٍ أَوْ جِدَارٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مَنْ ‏(‏عَرَفْتَهُ‏)‏ إِمَّا ‏(‏بِصَوْتٍ‏)‏ ثَبَتَ لَكَ أَنَّهُ صَوْتُهُ بِعِلْمِكَ ‏(‏أَوْ‏)‏ بِإِخْبَارِ ‏(‏ذِي خُبْرِ‏)‏ بِهِ مِمَّنْ تَثِقُ بِعَدَالَتِهِ وَضَبْطِهِ أَنَّ هَذَا صَوْتُهُ؛ حَيْثُ كَانَ يُحَدِّثُ بِلَفْظِهِ، أَوْ أَنَّهُ حَاضِرٌ إِنْ كَانَ السَّمَاعُ عَرْضًا‏.‏

‏(‏صَحَّ‏)‏ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْأَشْهَرِ، وَإِنْ كَانَ الْعَمَلُ عَلَى خِلَافِهِ؛ لِأَنَّ بَابَ الرِّوَايَةِ أَوْسَعُ‏.‏ وَكَمَا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ رُؤْيَتُهُ لَهُ كَذَلِكَ لَا يُشْتَرَطُ تَمْيِيزُ عَيْنِهِ مِنْ بَيْنِ الْحَاضِرِينَ مِنْ بَابِ أَوْلَى، وَإِنْ قَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ مَا نَصُّهُ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الْفُرَاوِيَّ يَقُولُ‏:‏ كُنَّا نَسْمَعُ بِقِرَاءَةِ أَبِي مُسْنَدَ أَبِي عَوَانَةَ عَلَى أَبِي الْقَاسِمِ الْقُشَيْرِيِّ، فَكَانَ يَخْرُجُ فِي أَكْثَرِ الْأَوْقَاتِ وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ أَسْوَدُ خَشِنٌ وَعِمَامَةٌ صَغِيرَةٌ، وَكَانَ يَحْضُرُ مَعَنَا رَجُلٌ مِنَ الْمُحْتَشِمِينَ، فَيَجْلِسُ بِجَانِبِ الشَّيْخِ، فَاتَّفَقَ انْقِطَاعُهُ بَعْدَ قِرَاءَةِ جُمْلَةٍ مِنَ الْكِتَابِ، وَلَمْ يَقْطَعْ أَبِي الْقِرَاءَةَ فِي غَيْبَتِهِ، فَقُلْتُ لَهُ لِظَنِّي أَنَّهُ هُوَ الْمُسْمَعُ‏:‏ يَا سَيِّدِي عَلَى مَنْ تَقْرَأُ وَالشَّيْخُ مَا حَضَرَ‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ كَأَنَّكَ تَظُنُّ أَنَّ شَيْخَكَ هُوَ الْمُحْتَشِمُ، قُلْتُ لَهُ‏:‏ نَعَمْ، فَضَاقَ صَدْرُهُ وَاسْتَرْجَعَ وَقَالَ‏:‏ يَا بُنَيَّ، إِنَّمَا شَيْخُكَ هَذَا الْقَاعِدُ‏.‏ ثُمَّ عَلَّمَ ذَلِكَ الْمَكَانَ حَتَّى أَعَادَ لِي مِنْ أَوَّلِ الْكِتَابِ إِلَيْهِ‏.‏

‏(‏وَعَنْ شُعْبَةَ‏)‏ بْنِ الْحَجَّاجِ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ ‏(‏لَا تَرْوِ‏)‏ عَمَّنْ يُحَدِّثُكَ مِمَّنْ لَمْ تَرَ وَجْهَهُ، فَلَعَلَّهُ شَيْطَانٌ قَدْ تَصَوَّرَ فِي صُورَتِهِ يَقُولُ‏:‏ ثَنَا وَأَنَا‏.‏ وَهُوَ وَإِنْ أَطْلَقَ الصُّورَةَ إِنَّمَا أَرَادَ الصَّوْتَ، وَوَجْهُ هَذَا أَنَّ الشَّيَاطِينَ أَعْدَاءُ الدِّينِ، وَلَهُمْ قُوَّةُ التَّشَكُّلِ فِي الصُّوَرِ فَضْلًا عَنِ الْأَصْوَاتِ، فَطَرَقَ احْتِمَالٌ أَنْ يَكُونَ هَذَا الرَّاوِي شَيْطَانًا، وَلَكِنْ هَذَا بَعِيدٌ، لَا سِيَّمَا وَيَتَضَمَّنُ عَدَمَ الْوُثُوقِ بِالرَّاوِي وَلَوْ رَآهُ، لَكِنْ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ‏:‏ كَأَنَّهُ يُرِيدُ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا، فَإِذَا عُرِفَ وَقَامَتْ عِنْدَهُ قَرَائِنُ أَنَّهُ فُلَانٌ الْمَعْرُوفُ، فَلَا يُخْتَلَفُ فِيهِ‏.‏ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ، فَقَدْ قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ‏:‏ إِنَّهُ عَجِيبٌ وَغَرِيبٌ جِدًّا- انْتَهَى‏.‏

وَالْحُجَّةُ ‏(‏لَنَا‏)‏ فِي اعْتِمَادِ الصَّوْتِ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رَفَعَهُ‏:‏ ‏(‏إِنَّ بِلَالًا‏)‏ يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى تَسْمَعُوا تَأْذِينَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ»، كَمَا ذَكَرَهُ عَبْدُ الْغَنِيِّ بْنُ سَعِيدٍ الْحَافِظُ، حَيْثُ أَمَرَ الشَّارِعُ بِالِاعْتِمَادِ عَلَى صَوْتِهِ مَعَ غَيْبَةِ شَخْصِهِ عَمَّنْ يَسْمَعُهُ، وَقَدْ يُخْدَشُ فِيهِ بِأَنَّ الْأَذَانَ لَا قُدْرَةَ لِلشَّيَاطِينِ عَلَى سَمَاعِ أَلْفَاظِهِ، فَكَيْفَ بِقَوْلِهِ‏.‏

‏(‏وَ‏)‏ لَكِنْ مِنَ الْحُجَّةِ لَنَا أَيْضًا ‏(‏حَدِيثُ أُمِّنَا‏)‏، مُعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ، عَائِشَةَ وَغَيْرِهَا مِنَ الصَّحَابِيَّاتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ، وَالنَّقْلُ لِذَلِكَ عَنْهُنَّ مِمَّنْ سَمِعَهُ، وَالِاحْتِجَاجُ بِهِ فِي الصَّحِيحِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَدِلَّةِ‏.‏

وَقَدْ تَرْجَمَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ شَهَادَةَ الْأَعْمَى، وَأَمْرَهُ، وَنِكَاحَهُ، وَإِنْكَاحَهُ، وَمُبَايَعَتَهُ، وَقَبُولَهُ فِي التَّأْذِينِ وَغَيْرِهِ، وَمَا يُعْرَفُ مِنَ الْأَصْوَاتِ، وَأَوْرَدَ مِنَ الْأَدِلَّةِ لِذَلِكَ حَدِيثَ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ‏:‏ قَدِمَتْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْبِيَةٌ، فَقَالَ لِي أَبِي‏:‏ انْطَلِقْ بِنَا إِلَيْهِ عَسَى أَنْ يُعْطِيَنَا مِنْهَا شَيْئًا، فَقَامَ أَبِي عَلَى الْبَابِ فَتَكَلَّمَ، فَعَرَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَوْتَهُ، فَخَرَجَ وَمَعَهُ قِبَاءٌ، وَهُوَ يُرِيهِ مَحَاسِنَهُ، وَهُوَ يَقُولُ‏:‏ «خَبَّأْتُ هَذَا لَكَ، خَبَّأْتُ هَذَا لَكَ»‏.‏

وَحَدِيثَ عَائِشَةَ‏:‏ تَهَجَّدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِي، فَسَمِعَ صَوْتَ عَبَّادٍ يُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ‏:‏ «يَا عَائِشَةُ، أَصَوْتُ عَبَّادٍ هَذَا‏؟‏» قُلْتُ‏:‏ نَعَمْ‏.‏ الْحَدِيثَ‏.‏

وَقَوْلَ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ‏:‏ اسْتَأْذَنْتُ عَلَى عَائِشَةَ، فَعَرَفَتْ صَوْتِي قَالَتْ‏:‏ سُلَيْمَانُ‏؟‏ ادْخُلْ‏.‏ إِلَى غَيْرِهَا‏.‏ عَلَى أَنَّ ابْنَ أَبِي الدَّمِ قَالَ‏:‏ إِنَّ قَوْلَ شُعْبَةَ مَحْمُولٌ عَلَى احْتِجَابِ الرَّاوِي مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ مُبَالَغَةً فِي كَرَاهَةِ احْتِجَابِهِ، أَمَّا النِّسَاءُ فَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ الرِّوَايَةِ عَنْهِنَّ مَعَ وُجُوبِ احْتِجَابِهِنَّ- انْتَهَى‏.‏

وَمُقْتَضَاهُ عَدَمُ جَوَازِ النَّظَرِ إِلَيْهِنَّ لِلرِّوَايَةِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ حَيْثُ لَمْ تُمْكِنْ مَعْرِفَتُهَا بِدُونِهِ، وَعَلَى اعْتِمَادِهِ فَهِيَ تُخَالِفُ الشَّهَادَةَ؛ حَيْثُ يَجُوزُ النَّظَرُ لِلْمَرْأَةِ بَلْ يَجِبُ، وَلَا يَكْفِي الِاعْتِمَادُ عَلَى صَوْتِهَا كَمَا تَقَدَّمَ‏.‏

438- وَلَا يَضُرُّ سَامِعًا أَنْ يَمْنَعَهْ *** الشَّيْخُ أَنْ يَرْوِيَ مَا قَدْ سَمِعَهْ

439- كَذَلِكَ التَّخْصِيصُ أَوْ رَجَعْتُ *** مَا لَمْ يَقُلْ أَخْطَأْتُ أَوْ شَكَكْتُ

الثَّامِنُ‏:‏ ‏(‏وَلَا يَضُرُّ سَامِعًا‏)‏ مِمَّنْ سَمِعَ لَفْظًا أَوْ عَرْضًا ‏(‏أَنْ يَمْنَعَهُ الشَّيْخُ‏)‏ الْمُسْمِعُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ السَّمَاعِ أَوْ قَبْلَهُ ‏(‏أَنْ يَرْوِيَ‏)‏ عَنْهُ ‏(‏مَا قَدْ سَمِعَهْ‏)‏ مِنْهُ، بِأَنْ يَقُولَ لَهُ لَا لِعِلَّةٍ أَوْ رِيبَةٍ فِي الْمَسْمُوعِ أَوْ إِبْدَاءِ مُسْتَنَدٍ سِوَى الْمَنْعِ الْيَابِسِ‏:‏ لَا تَرْوِهِ عَنِّي، أَوْ مَا أَذِنْتُ لَكَ فِي رِوَايَتِهِ عَنِّي، وَنَحْوَ ذَلِكَ، بَلْ يَسُوغُ لَهُ رِوَايَتُهُ عَنْهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ؛ مِنْهُمُ ابْنُ خَلَّادٍ فِي الْمُحَدِّثِ الْفَاصِلِ فِي مَسْأَلَتِنَا، بَلْ زَادَ ابْنُ خَلَّادٍ مِمَّا قَالَ بِهِ أَيْضًا ابْنُ الصَّبَّاغِ كَمَا سَيَأْتِي فِي سَادِسِ أَقْسَامِ التَّحَمُّلِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهُ‏:‏ هَذِهِ رِوَايَتِي لَكِنْ لَا تَرْوِهَا عَنِّي وَلَا أُجِيزُهَا لَكَ، لَمْ يَضُرَّهُ ذَلِكَ‏.‏

وَتَبِعَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ فَقَالَ‏:‏ وَمَا قَالَهُ صَحِيحٌ، لَا يَقْتَضِي النَّظَرُ سِوَاهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ حَدَّثَهُ، وَهُوَ شَيْءٌ لَا يُرْجَعُ فِيهِ، فَلَا يُؤْثَرُ مَنْعُهُ، قَالَ‏:‏ وَلَا أَعْلَمُ مُقْتَدًى بِهِ قَالَ خِلَافَ هَذَا فِي تَأْثِيرِ مَنْعِ الشَّيْخِ وَرُجُوعِهِ عَمَّا حَدَّثَ بِهِ مَنْ حَدَّثَهُ، وَأَنَّ ذَلِكَ يَقْطَعُ سَنَدَهُ عَنْهُ، إِلَّا أَنِّي قَرَأْتُ فِي كِتَابِ الْفَقِيهِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْمَالِكِيِّ فِي طَبَقَاتِ عُلَمَاءِ أَفْرِيقِيَّةَ نَقَلَ عَنْ شَيْخٍ مِنْ جِلَّةِ شُيُوخِهَا أَنَّهُ أَشْهَدَ بِالرُّجُوعِ عَمَّا حَدَّثَ بِهِ بَعْضَ أَصْحَابِهِ لِأَمْرٍ نَقَمَهُ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ فَعَلَ مِثْلُ هَذَا بَعْضُ مَنْ لَقِينَاهُ مِنْ مَشَايِخِ الْأَنْدَلُسِ الْمَنْظُورِ إِلَيْهِمْ، وَهُوَ الْفَقِيهُ الْمُحَدِّثُ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَطِيَّةَ؛ حَيْثُ أَشْهَدَ بِالرُّجُوعِ عَمَّا حَدَّثَ بِهِ بَعْضَ جَمَاعَتِهِ لِهَوًى ظَهَرَ لَهُ مِنْهُ، وَأُمُورٍ أَنْكَرَهَا عَلَيْهِ‏.‏ وَلَعَلَّ هَذَا صَدَرَ مِنْهُمْ تَأْدِيبًا وَتَضْعِيفًا لَهُمْ عِنْدَ الْعَامَّةِ، لَا لِأَنَّهُمُ اعْتَقَدُوا صِحَّةَ تَأْثِيرِهِ‏.‏

وَقِيَاسُ مَنْ قَاسَ الرِّوَايَةَ هُنَا عَلَى الشَّهَادَةِ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الشَّهَادَةِ لَا تَصِحُّ إِلَّا مَعَ الْإِشْهَادِ، لَا كَذَلِكَ الرِّوَايَةُ؛ فَإِنَّهَا مَتَى صَحَّ السَّمَاعُ صَحَّتْ بِغَيْرِ إِذْنِ مَنْ سَمِعَ مِنْهُ- انْتَهَى‏.‏

وَإِنْ رُوِيَ عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ قَالَ‏:‏ كُنْتُ آتِي أَبَا هُرَيْرَةَ فَأَكْتُبُ عَنْهُ، فَلَمَّا أَرَدْتُ فِرَاقَهُ أَتَيْتُهُ فَقُلْتُ‏:‏ هَذَا حَدِيثُكَ أُحَدِّثُ بِهِ عَنْكَ‏؟‏ قَالَ‏:‏ نَعَمْ‏.‏ فَقَدْ قَالَ الْخَطِيبُ‏:‏ إِنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ‏.‏ وَصَرَّحَ غَيْرُهُ بِالِاتِّفَاقِ‏.‏ وَيَلْحَقُ بِالسَّمِعِ فِي ذَلِكَ الْمُجَازُ أَيْضًا، وَمَا أَعْلَمَهُ بِأَنَّهُ مَرْوِيُّهُ مِمَّا لَمْ يُجِزْهُ بِهِ صَرِيحًا كَمَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا‏.‏

وَكَذَلِكَ لَا يَضُرُّ ‏(‏التَّخْصِيصُ‏)‏ مِنَ الشَّيْخِ لِوَاحِدٍ فَأَكْثَرَ بِالسَّمَاعِ إِذَا سَمِعَ هُوَ، سَوَاءٌ عَلِمَ الشَّيْخُ بِسَمَاعِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ مِنْ بَابِ أَوْلَى، كَمَا صَرَّحَ بِالْحُكْمِ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ الْإِسْفَرَايِينِيُّ إِذَا سَأَلَهُ أَبُو سَعْدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عُلَيْكٍ النَّيْسَابُورِيُّ عَنْهُ فِي جُمْلَةٍ مِنَ الْأَسْئِلَةِ عِنْدِي فِي جُزْءٍ مُفْرَدٍ، وَعَمِلَ بِهِ النَّسَائِيُّ وَالسِّلَفِيُّ وَآخَرُونَ‏.‏

بَلْ وَلَوْ صَرَّحَ بِقَوْلِهِ‏:‏ أُخْبِرُكُمْ وَلَا أُخْبِرُ فُلَانًا، لَمْ يَضُرَّهُ، وَلَكِنَّهُ لَا يَحْسُنُ فِي الْأَدَاءِ أَنْ يَقُولَ‏:‏ حَدَّثَنِي وَنَحْوَهَا مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الشَّيْخَ رَوَاهُ كَمَا أَسْلَفْتُهُ فِي أَوَّلِ أَقْسَامِ التَّحَمُّلِ‏.‏

وَكَذَا لَا يَضُرُّ الرُّجُوعُ بِالْكِنَايَةِ وَمَا أَشْبَهَهَا ‏(‏أَوْ‏)‏ بِالتَّصْرِيحِ كَأَنْ يَقُولَ‏:‏ ‏(‏رَجَعْتُ‏)‏ وَنَحْوَهَا مِمَّا لَا يَنْفِي أَنَّهُ مِنْ حَدِيثِهِ كَمَا سَلَفَ فِي كَلَامِ الْقَاضِي عِيَاضٍ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى ‏(‏مَا لَمْ يَقُلْ‏)‏ مَعَ ذَلِكَ‏:‏ ‏(‏أَخْطَأْتُ‏)‏ فِيمَا حَدَّثْتُ بِهِ، أَوْ تَزَيَّدْتُ ‏(‏أَوْ شَكَكْتُ‏)‏ فِي سَمَاعِهِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، كَمَا فَعَلَ شَيْخُنَا رَحِمَهُ اللَّهُ؛ إِذْ سَمِعْنَا عَلَيْهِ ذَمَّ الْكَلَامِ لِلْهَرَوِيِّ، حَيْثُ قَالَ‏:‏ أَذِنْتُ لَكُمْ فِي رِوَايَتِهِ عَنِّي مَا عَدَا كَذَا وَكَذَا‏.‏ فَإِنَّهُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْوِيَهُ عَنْهُ، ثُمَّ إِنَّهُ لَوْ أَرَادَ الشَّيْخُ إِسْمَاعَهُ بَعْدَ قَوْلِهِ‏:‏ تَزَيَّدْتُ أَوْ أَخْطَأْتُ، كَانَ قَدْحًا فِيهِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ‏:‏ شَكَكْتُ‏.‏